يقف المدرس محمد خير بحسرة أمام بقايا مسجد مهدم في مدينة كلس التركية الحدودية، ليتذكر أن "700 تلميذ وتلميذة سوريين كانوا يداومون هنا قبل شهر".. والآن بات هؤلاء التلاميذ بلا مدرسة.
وقال محمد خير، في حديث لـ"عربي21"، وهو ينظر إلى ركام المسجد بحسرة: "أبلغتنا السلطات التركية بوجوب إخلاء المسجد الذي كنا نقيم فيه مدرستنا (كاسيك منار)، وذلك حسب خطة للأوقاف التركية تقضي بإعادة بناء لهذا المسجد". غير أن ما يثير حفيظة المدرس محمد خير ليس قرار الهدم وحسب، بل إنه عدم وجود البناء البديل، على حد قوله.
ويبيّن خير أنه لا بديل أمام الأهالي في هذه المدينة التي تعج بالنازحين السوريين، نظرا لقلة عدد
المدارس السورية التي أقيمت في المدينة، لا سيما أن جميع المدارس المتبقية تستقبل أعدادا فوق طاقتها الاستيعابية، ما أدى إلى خسارة الكثير من التلاميذ مقاعدهم الدراسية في بلد النزوح، بعد أن دمرت مدارسهم في وطنهم الأم،
سوريا.
وفي مدينة تركية أخرى، يقول نبهان حجي، مدير مدرسة "الشهيد عبد القادر الصالح" المقامة في إقليم هاتاي: "نعمل بدون راتب أنا والمعلمين معي، ومع هذا كله يأتي إلينا المدير التركي المسؤول عن المدرسة، ليبدي عدم رضاه عن عملنا، ومن ثم يزودنا بالقوانين التركية الجديدة الناظمة لعمل المدارس".
ويتابع لـ"عربي21": "استطعنا تأمين المنهاج من مؤسسة "علم"، أما الحكومة السورية المؤقتة فقد تخلت عنا، ولذلك فإننا لن نعتب على الحكومة التركية التي لم تقدم هي الأخرى لنا شيئا". ورغم ذلك يؤكد متابعته وأسرة مدرسته مشوار
التعليم. وهو لا ينسى ما عاناه حتى استطاع أن يفتتح هذه المدرسة، بعد زيارات متكررة إلى المسؤول التعليمي ولمدير المدرسة الذي وافق بعد مرور شهرين من بدء العام الدراسي على منحه البناء المدرسي، بعد انتهاء دوام الطلبة الأتراك.
ووفقًا للقوانين التركية الناظمة لعمل المدارس السورية، فإن السماح بافتتاح أي مدرسة يرجع لقرار من مسؤول المنطقة التعليمي، المشروطة بموافقة مدير المدرسة التي تستضيف التلاميذ.
"بناء وحذاء"
"لم يقدموا لنا إلا البناء للدوام المسائي الذي نعاني منه الأمرين، وحتى لا أكون جاحدًا وناكرًا، فأقول إنهم قدموا لنا أيضًا حذاء رياضيا لكل طفل، خلال زيارة قام بها حاكم المنطقة إلى المدرسة". هكذا بدأ مدير إحدى المدارس السورية في ريف إقليم هاتاي حديثه لـ"عربي21"، بعد أن طلب عدم الإفصاح عن اسمه، خوفًا من إلحاق الضرر بالمدرسة التي يديرها.
ويتابع مستغرباً: "حتى الآن لم نحصل على رواتب، وقد مر على افتتاح مدرستنا أكثر من ثلاثة أشهر، لذلك فإننا نطالب الأتراك بعدم التدخل في شؤوننا، هم لا يساهمون بشيء، وبالمقابل يريدون منا ونحن متطوعين أن نلتزم بقوانينهم".
وحول ما قدمته الحكومة التركية للمدرسة قال: "هم قدموا للأطفال حذاء، وليس لكل
الأطفال، فعدد الأحذية لم يكن كافيًا، والبناء أيضًا الذي نداوم فيه مساء بعد انصرافهم من المدرسة".
في المقابل، فقد تركت أمور بعض هذه المدارس لمنظمات سورية مرخصة، تتلقى تمويلاً دوليا، وإلى بعض المنظمات التركية مثل منظمة "IHH"، وتحاول هذه المنظمات تأمين رواتب لكوادر هذه المدارس المتعاقدة معها.
ووفق معلمين هنا، فإن هذه الرواتب في حال وصولها، تكون قليلة، ولا تتناسب مع الحياة الاقتصادية التركية.
وتعليقًا على ذلك، تقول معلمة اللغة اللإنجليزية ريم لـ"عربي21": "راتبي الذي يعطونني إياه هنا، لا يغطي نفقة إيجار البيت، ونحاول أن نتدبر أمرنا بما يتقاضاه زوجي من عمله في المصنع التركي".
وبحسب ريم، وهي الأم لثلاثة أطفال، فإن راتبها الشهري، يبلغ 500 ليرة تركية (220 دولارا أمريكيا)، في حين أنها تدفع ما قيمته 600 ليرة تركية بدل إيجار للبيت الذي تقطنه وعائلتها.