ثلاثة أسباب تدفع
الاقتصاد الروسي نحو الركود خلال عام 2015، تشمل تراجع أسعار
النفط والغاز وإرسال قوات إلى أوكرانيا والعقوبات المالية الغربية.
الأسباب الثلاثة أوردها معهد أبحاث السياسة الخارجية الأمريكي في تقرير له.
وتراجعت أسعار النفط بأكثر من 50% خلال النصف الثاني من عام 2014، رغم أنها تعافت قليلا في الأسابيع الأخيرة إلى 60 دولارا، الأمر الذي أدى لخفض عائدات تصدير الطاقة المصدر الرئيس لتمويل الاقتصاد الروسي.
وفي الواقع، فإن المشكلة ليست النفط فحسب، ولكن السعر الذي تبيع به
روسيا الغاز إلى أوروبا، الذي يرتبط بأسعار النفط، سينخفض بمقدار الثلث في عام 2015.
ويقول التقرير الذي كتبه كريس ميلر، الباحث في معهد أبحاث السياسة الخارجية، والمرشح لنيل درجة الدكتوراه في جامعة ييل: "إذا كانت أسعار الطاقة المنخفضة بمثابة الضربة الوحيدة لاقتصاد روسيا، فستكون مؤلمة ولكنها ليست القاضية".
ويضيف ميلر الذي عمل بين عامي 2012-2014، باحثا زائرا في مركز كارنيغي بموسكو، أن "الأثر الاقتصادي لانخفاض عائدات التصدير يتضاعف بسبب سياسة الكرملين الخارجية التوسعية والمكلفة، فنشر الجنود الروس في أوكرانيا هو في حد ذاته عملية مكلفة، إلا أن العقوبات الغربية بسبب الحرب أثبتت فعاليتها.
ومعهد أبحاث السياسة الخارجية الأمريكي، تأسس في عام 1955، وهو غير حزبي ولا يهدف للربح، ويكرس جهوده لتقديم رؤى للتأثير على وضع السياسات التي من شأنها النهوض بالمصالح القومية الأمريكية.
ويذكر التقرير أن العديد من الشركات الروسية الكبرى، بما في ذلك شركة النفط العملاقة المملوكة للدولة "روسنفت" والبنوك (مثل في.تي.بي)، تواجه قيودا لزيادة رأس المال بالحصول على تمويل من الأسواق الأمريكية والأوروبية.
وتعتمد معظم الشركات الروسية الكبرى على المستثمرين الغربيين للحصول على التمويل، وحصلت على قروض بالمليارات وتكافح حاليا للحصول على قروض جديدة لسداد القديمة.
وستخسر روسيا 32 مليار يورو سنويا بسبب العقوبات الغربية المفروضة عليها و80 مليار يورو تقريبا بسبب تراجع أسعار النفط، وفق ما قاله وزير المالية الروسي إنتون سيلوانوف في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي.
ويرى التقرير أن هذه العوامل ستدخل روسيا في ركود مؤلم في عام 2015 وربما بعده.
وفي تقرير حديث نشرته الأناضول، توقعت وكالة موديز للتصنيف الائتماني أن يستمر الكساد الاقتصاد الحاد في روسيا حاليا حتى عام 2017.
وفي وقت سابق من العام الجاري، توقع صندوق النقد الدولي أن ينكمش الاقتصاد الروسي بنسبة 3% في عام 2015 و1% في عام 2016.
وأفادت بيانات، بأن الاحتياطي النقدي الروسي فقد نحو 134.2 مليار دولار في غضون نحو عام حيث تراجع من 510.5 مليار دولار، في مطلع كانون الثاني/ يناير 2014 إلى 376.3 مليار دولار في نهاية الشهر الماضي.
وفي الوقت نفسه، اعترف البنك المركزي الروسي بأن التضخم قد يصل 15% خلال العام الجاري.
وتوقعت وكالة "فيتش" في تقرير يوم الجمعة الماضي، أن ينكمش الناتج المحلي الإجمالي في روسيا بنسبة 4% في عام 2015، مقابل نمو بنسبة 0.6% في عام 2014.
ويقول التقرير المعهد الأمريكي، إن رد الكرملين حتى الآن هو إعادة توزيع عبء الركود دون معالجة أسبابه الأساسية، فاعتماد البلاد على صادرات الطاقة لا يمكن القضاء عليه بين عشية وضحاها، ولكن بوتين قرر أن تعاني بلاده بسبب العقوبات الغربية بدلا من سحب قواتها من أوكرانيا.
واتخذ بوتين خطوات لدعم موازنة الحكومة عن طريق السماح للروبل بالانخفاض بشكل حاد أمام الدولار، ولكن الجمع بين الحرب وانخفاض أسعار النفط ترك المستثمرين الأجانب يشعرون بالفزع.
ويشدد التقرير علىأنه لم تتعاف أسعار النفط بسرعة، فإن الأمر يتطلب خفض الإنفاق، سواء من قبل الحكومة أم الشركات أم المواطنين.
ويرى أن أسهل طريقة للتعامل مع الركود يكون بالتخلص من بعض العوامل التي تتسبب في انكماش الاقتصاد الروسي، ومنها العقوبات المالية الغربية، والتي لم تمنع فقط العديد من كبرى الشركات الروسية من الحصول على التمويل من الأسواق المالية الغربية، ولكن التهديد بفرض مزيد من العقوبات، أجبر الحكومة والعديد من الشركات للبحث عن مصادر تمويل جديدة للتحوط من مخاطر تعمق العقوبات.
وذكرت تقارير روسية أن الحكومة تدرس فرض حظر على استيراد أنواع كثيرة من الآلات، لاسترضاء الصناعات المحلية.
ولكن في إطار الاستعداد لتوسيع العقوبات، اضطرت الشركات الروسية بشكل منفرد لاتخاذ القرارات بأنفسهم. فمثلا تبحث غازبروم، عن ممولين جدد لتوفير 2.5 مليار دولار لإنفاق الاستثماري السنوي، ليحلوا محل الشركات الصناعية الغربية مثل سيمنز وكاتربيلر مع شركاء من روسيا البيضاء، وإسرائيل والهند وغيرها من البلدان التي لن تشارك في العقوبات المحتملة المستقبلية. فمثل هذه الخطوة قد تحمي الشركة من العقوبات، ولكنها سترفع تكاليفها نتيجة للحرب في أوكرانيا.
وشمل رد موسكو على الأزمة الاقتصادية بالفعل تقدم حزمة إنقاذ للشركات المؤثرة بدافع سياسي، وكانت بعض العمليات حتمية، في ضوء انخفاض قيمة الروبل الذي شكل ضغوطا هائلة على الشركات التي تكسب دخلها بالروبل وتدفع ديونها بالدولار.
ويواجه العديد من البنوك في روسيا، على سبيل المثال، الإعسار بسبب تزايد القروض المتعثرة، ولأن الديون بالدولار تصبح غير قابلة لسداد الفوائد أو الأقساط المستحقة عليها بنحو متزايد.
ويرى التقرير أن الكرملين يعتمد استراتيجية التقشف، بما في ذلك تخفيض الإنفاق في الموازنة وربما خفض المعاشات التقاعدية، أيضا. وفي ضوء حكم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين القائم على ارتفاع مطرد في مستويات المعيشة، فإن استجابة الحكومة الروسية للأزمة تحمل مخاطر تقويض أسس شرعيته.