يعيش المئات من المدنيين السوريين، في مخيمات اللجوء التي تقع على خطوط المواجهة الأمامية للاشتباكات بين قوات النظام السوري وفصائل المعارضة، وسط الدمار الشامل وتحت قصف المدفعية ونيران القناصة، يعانون الفقر والعوز، وينتظرون مصيراً مجهولاً.
يقول الأهالي الذين يقبعون في مناطق المواجهة على جبهات "المنصورة" و"الراشدين" بحلب، إنهم ينتظرون الموت كل لحظة، فمنازلهم إما دمرت بعضها بالقذائف المدفعية، أو يخترقها الرصاص من كل جانب.
ويضيف الأهالي أنه ليس هناك "ملاذ آمن" لهم، سوى مخيماتهم أو بقايا منازلهم، وأنهم مجبرون على العيش في مناطق خطوط المواجهة، فأين يذهبون، إذ ليس لديهم أموال ولا إمكانات تجعلهم ينتقلون لمناطق آمنة.
تغطية النوافذ
يقول الشاب "محمد" في تصريح لـ"
عربي21" إنه يعيش في بلدة المنصورة، حيث لا يبعد قناص النظام عن منزله سوى 100 متر، وإنه يستخدم قطع القماش لتغطية النوافذ المكشوفة من منزله.
ويضيف أنّ أصوات الرصاص تقض مضجعه، فالاشتباكات لا تكاد تهدأ، لكن لا حل أمامه سوى البقاء في منزله، لأن ضريبة النزوح كبيرة، فالعمر مكتوب، ولن يستطيع أحد إعطاءك وثيقة تأمين على الحياة.
العجوز المكلومة
ويُشير "محمد" إلى أنّ منزله يعيش فيه منذ الصغر، ولا يريد الابتعاد عنه رغم الدمار الذي أصابه، وطلقات الرصاص التي اخترقت جدرانه.
فيما ترفض سيدة مسنّة الحديث عن معاناتها، وتشير إلى أنّها لم تعد تكترث لأي شيء، قائلة بلهجتها المحلية: "أشو بدك تصوّر فيني، كفاية اللي عبيصير فينا، مو ناقصنا صورة".
فيما يقول العم "أبو كمال"، إنّ "بيته لم يبق فيه جدار إلا خرقه رصاص القناص القريب"، مشيراً إلى أنّ "أكثر ما يميز الحياة هنا، أنّ لا أحد يفكر في البناء، فحجم الدمار كبير، وأصوات الرصاص والاشتباكات لا تهدأ"، ومع ذلك يصرُّ "أبو كمال" على البقاء، لأنّ حب الأرض موروث فطري منذ الصغر، ولن يغادر شقاء عمره -في إشارة إلى منزله- إلا وهو جثّة هامدة"، على حد تعبيره.
شاب حرم من خطيبته
أما الشّاب "عادل" وأبوه، فقد رفضا الحديث، وكذلك التقاط الصور لهم، كون الشاب حُرِم كما يقول من خطيبته، بسبب الأحداث في البلاد، حيث لا تفصله عنها سوى عدة كيلو مترات قليلة، فمنزلها واقع في حي
حلب الجديدة القريب، وهو يسكن على خط الجبهة في المنصورة القريبة، الأمر الذي ردّ عليه أحد مقاتلي فصائل المعارضة، بالقول: "خسرنا شهداء وأملاك، ومستمرون، فعلام تخاف، أنت"، تاركاً إياه يعبر الطريق إلى منزله القريب من خط النار والمرصود من قناص النظام.
لا وصاية على أحد
القائد الميداني في الجبهة الشامية كبرى الفصائل المعارضة في حلب "أبو محمد قبتان" يقول: "إننا لا نعترض طريق المدنيين، ولا نستخدم دوراً وصائياً عليهم هنا، وقد طالبناهم في مرات كثيرة الخروج من هذه المنطقة التي تعد الخط الفاصل بين قوات الأسد وبين قواتنا، لكنهم رفضوا الخروج، مشيرين إلى أنّهم من يتحملون المسؤولية الكاملة على حياتهم".
الخوف من جواسيس النظام
ويتخوّف القيادي في المعارضة، أن يكون من بين القاطنين على خط الجبهات من جنّدهم النظام لمراقبة تحركات مقاتلي المعارضة، وقد حصل هذا الأمر في عدد من الجبهات في المدينة، حيث زرع النظام بين المدنيين عيوناً وجواسيس له، وهو ما أفشل عدة محاولات للتقدم من قبل فصائل المعارضة، بسبب إعلام قوات النظام بها من العملاء، لكنّه يعود ليقول: "لا نستطيع أن نطرد أولئك المدنيين من منازلهم، ففوق الموت عصة قبر"، يقصد (ضيق القبر).
توزيع سلال غذائية
من جانبه يقول مدير المكتب الاقتصادي في أحد الفصائل المعارضة "محمود حسن" في حديث خاص لـ"
عربي21"أنّ مكتبه بالتعاون مع عدد من الجمعيات الخيرية في ريف حلب الغربي، يُقدم للمدنيين في المنطقة عدد من السلال الغذائية بشكل شهري تحتوي على "عدس، وبرغل، وزيت نباتي، وطحين، ورز ومعكرونة، وصابون، ومواد تنظيف، فضلاً عن مواد أخرى".
500 عائلة
وتقدّر إحصائيات غير دقيقة عدد العائلات القاطنة على خط الجبهات بحوالي 500 عائلة متوزعة على جبهات (الراشدين، المنصورة، الملاح، وغيرها من الجبهات الأخرى)، فيما يؤكد عدد من القائمين على الجمعيات الخيرية في الداخل السوري أنّ الظروف المعيشية الصعبة التي يعيشها النازحون في مخيمات الداخل، دفعت أولئك الأهالي للبقاء في منازلهم، رغم تعرضهم لمخاطر الموت المتعددة يومياً ما بين "القنص" و"تسلل أحد الطرفين إلى الآخر"، فضلاً عن القصف المدفعي.