الثورة من وجهة نظر
الفلول، ليست كالثورة بالنسبة إلينا، لدينا فائض من مثالية، وطوباوية، وانتقائية شديدة الحساسية، وطاووسية عند بعضنا غير مبررة، وتطهرية تكاد ترى حبة ملح في نهر جار، فتعاف ماءه كله لوجه العذوبة الكاملة، تأكلنا "الحسوكة" و تركبنا "العنطزة"، ويلعب بنا الأمل المجاني، ويغرينا بآخرة لا نار فيها للثوار، ولا أعراف، وجنة بلا طبقات، أو مراتب، كلنا في عليين، أقل واجب، مع ملاحظة أن كلنا يأمل في ذلك لنفسه دون غيره، فكلنا في نظر بعضنا خونة بمستوى ما، كل فصيل بما لديهم فرحون، ومكتفون، ومرتاحون، ومتوقعون لنصر يأتيهم حتى الباب، لهم وحدهم، رضي الله عنهم وأرضاهم، وخرب بيت الآخرين بما قدموا، قادر يا كريم، إخوانا مغضوب عليهم، أو إنقلابيين ضالين .. آمين.
أما الفلول، فالموضوع لديهم جد، والثورة بالنسبة إليهم لا تعني سوى هؤلاء الذين نزلوا وانتزعوا منا دولتنا التي تدر علينا الذهب، دون غيرنا، وكادوا، أو سولت لهم أنفسهم أن يظنوا قدرتهم على تحويلنا من أسياد البلد إلى مواطنين، فاللعنة على الجميع، لكن كل في دوره.
لا نبالغ إذا قلنا بصراحة، ودون حساسية، أن هذه الثورة لم يتعامل معها بشكل جاد ومسؤول سوى الفلول، رجال مبارك، عسكر، وحرامية، ومن تبعهم بـ" تعريض"، ودون ذلك فالثورة حديث الحالمين، عن مساء وردي الشرفات.
من اليوم الأول، والثورة المضادة تحاول، بدأب، من اتهامها للحراك بالأخونة أيام 25، 26، 27 (راجع جريدة الأخبار على سبيل المثال لا الحصر) إلى تطور نوعي سريع لا ينكر "
مصرية" المتظاهرين، وتنوعهم، لكنه يلعب على المؤامرة الكونية، ويستدعي إيران الشيعية، وقطر الأمريكية، وصربيا الـ"أي حاجة"، المهم أن الشباب الطاهر مغرر بهم، ويجب أن يلتفتوا إلى بلادهم التي يغار من تقدمها وازدهارها العالم، ضع على هذه الطبخة، فتاوى الطيب، وعلي جمعة، مع ما تيسر من اللحى السلفية، ولا تنسى قداسة البابا شنودة، وبالشفا.
لم يفلحوا، بدأوا في التنازلات، وضحى مبارك صوريا بالجميع، مؤقتا حتى حين، كما أكد جمال مبارك نفسه لأحد أصدقائه الذي لم يبخل بفضحه على موائد النشطاء تزلفا وتقربا، سنأتي بهم واحدا واحدا، وسنعلقهم من أرجلهم في ميدان التحرير، ولكن بعد أن تمر العاصفة، لكنها لم تمر، واقتلعت الجميع.
لو أنهم مثلنا ليأسوا، لأطلقوا لحاهم اكتئابا، لأحبطوا، لسبوا الدين والدنيا، لانتحروا، لنظروا للهزيمة، وشرعنوا لها، واستسلموا، أو خدعوا أنفسهم بغد مجاني لم يصنعوه، ولا ينتوون، هؤلاء رأوا مبارك في السجن، في القفص، هو ومن معه، رأوا العادلي، صفوت، نظيف، زكريا، جمال، علاء، عز، وغيرهم، العصابة كلها، كل رجالهم، انتهوا، ومع ذلك لم يهتزوا، عفوا، بل اهتزوا، وخافوا، وارتعدوا، وفكروا ألف مرة، وحاولوا، ما وسعهم، مرة في الفترة الانتقالية، وأخرى في الانتخابات، وثالثة في الإعادة، ورابعة في الاتحادية، وخامسة في 30/ 6، ثلاث سنوات من الإصرار، لم يضيعوا ثانية واحدة، فعلوا كل شيء، أنفقوا الملايين، فتحوا القنوات، استأجروا الإعلاميين، عمقوا الخلافات، وظفوا مرارات التاريخ، ألبوا الفصائل على بعضها البعض، لم يتركوا فرصة، إلا واستغلوها، ثغرة إلا ومروا منها، خلافا إلا وأججوه، جريمة إلا وارتكبوها، كل شيء، وأي شيء، أشعلوها ثورة مضادة، بالمعنى الحرفي، وفي 3/ 7 نجحوا.
والآن، هم يصفون جيوب ثورتنا جيبا جيبا، بدأوا بالإخوان، منذ اليوم الأول، هم يرون
الإخوان ثوارا، لا خونة، ثم التفتوا للكتلة الحرجة على اختلاف توجهاتها وانحيازاتها، النشطاء، هم يرون النشطاء ثوارا وليسوا انقلابيين، استغلوا طمع الإخوان ومراراتهم، واستغلوا استعجال الثوار ومراراتهم أيضا، ومروا من بيننا، ثم هم الآن في حلوقنا، وبدلا من تقيؤهم، تفرغ كل منا للبصق في وجه الآخر، علاء يسجن فيشمت شباب الإخوان في الانقلابي، علاء انقلابي؟ معاتيه، شباب الإخوان يسجن، في ستين داهية، حلفاء العسكر، الشباب حلفاء العسكر؟!! وحمدين، والشاطر، والغزالي حرب، كانوا حلفاء السيدة ومجاذيب الحرم الزينبي؟
كأننا نحن، أناس يشبهوننا، هؤلاء الذين يتناحرون على العدم، فيما يكسب خصومهم بهم جولة بعد أخرى، سنن الله في الكون، وأن ليس للإنسان إلا ما سعى، هذا سعيهم، هذا حقهم، ليكن الحق معنا، لكنه حق أعزل، باطلهم مسلح، هي لهم، إلى حين، متى الغد؟، قريب، لكن .. هل يكون لنا، أم سنشاهده على الشاشات، فيما يتهمنا جيل آخر، أكثر وعيا، بأننا فشلة؟ سنرى.