كتاب عربي 21

كيري يتحدى الفوضى على طريقته!

1300x600
كتب جون كيري مقالا الأسبوع الماضي لصالح "بروجكت سينديكت" تحت عنوان "تحدّي الفوضى"، قال فيه إنّ هناك تحدّيان أساسيان في العالم اليوم يستحقان الاهتمام لأنّهما في حد ذاتهما يمثلان اختبارا للقانون الدولي، وللآليات المتعددة الأطراف، وللنظام العالمي الذي تم العمل على بنائه وصيانته خلال السبعين عاما الماضية، كما قال، من قبل الولايات المتّحدة وشركائها عبر الأطلسي. 

ما هما هذان الاختباران يا ترى؟ الأول كما يراه كيري هو أوكرانيا، "حيث عرّضت روسيا المشهد الأمني في شرق ووسط أوروبا للخطر، أولا باحتلالها غير المشروع لشبه جزيرة القرم والآن بجهودها العلنية والوقحة لزعزعة أمن واستقرار شرق أوكرانيا". 

 أما الثاني وفقا لكيري أيضا فهو "صعود التطرّف العنيف". ويتحدث كيري في هذا المجال بإسهاب عن تنظيم الدولة الاسلامية ولا ينسى أن يضرب مثلا بطالبان باكستان أيضا وأن يتكلم عن القصص المؤلمة لمعاناة الأطفال من هذه الجماعات المتطرفة وكيف أن "العالم لا يستطيع أن يضعف ولَن يضعف أمام هذا التطرّف أينما كان في العالم سواء في نيجيريا أم العراق أم سوريا".  

لكن أليس من المستغرب أن يكتب كيري مقالا يتحدث فيه عن التطرّف العنيف ولا يكون هناك ذكر فيه لأي من الميليشيات الشيعية في المنطقة؟ أليس من المستهجن أن يتحدث كيري عن الفوضى ومواجهتها من دون أن يذكر إيران مرة واحدة في مقاله، لاسيما وأن اسم إيران وسياساتها لطالما ارتبطت ارتباطا عضويا بالفوضى واختلاق الفوضى وإدارتها وتوظيفها والاستفادة منها.

 لكن قد يكون الأمر مفهوما إذا ما ربطناه بسعي الإدارة الأمريكية الحثيث للتوصل إلى اتفاق مع طهران، فهو في النهاية لا يود أن ينتقد من يريد أن يصل إلى صفقة معه.

لكن أن يخصص كيري مكانا في مقاله لذكر عين العرب (كوباني) ولا يذكر حمص أو دمشق أو حلب التي تعتبر من أقدم مدن العالم على الإطلاق، وأن يتحدث عن الأكراد كضحايا ولا يتحدث عن عشرات الملايين من النازحين والمشردين، وأن يذكر بضعة ضحايا أو المئات منهم ويتجاهل تماما مئات الآلاف ممن قتلوا، فهذا يوصلنا إلى حيث نريد أن نضع القارئ تماما. 

 لم يذكر كيري الأسد مرة واحدة في المقال، ولا يبدو أن استخدام السلاح الكيماوي ضد المدنيين يشكل تحديا للإدارة الأمريكية أو العالم أو المنظومة الدولية. مقال كيري هو عبارة عن بيان مختصر لأجندة الإدارة الأمريكية وأولوياتها خلال المرحلة الحالية. الأولويات التي نجحت في خلقها واستخدامها وتوظيفها من أجل تحويل انتباه العالم أيضا، فجعل الأسد أولوية يصيبها بالصداع ويضعها في موقف حرج يُظهر خطوطها الحمراء إشارات خضراء، ووضع ميليشيات شيعية على قدم المساواة مع "داعش" سيدخلها في نزاع مع إيران التي تريد التوصل معها إلى صفقة.

وعليه فاللجوء إلى الأسهل دوما والذي من الممكن أن يوحد الأجندات ويجمع 60 دولة ضده في تحالف واحد هو الخيار الأفضل لها في النهاية. هذه هي حسابات الإدارة الأمريكية الحالية، لكن جزءا كبيرا منها قائم على التفكير بالتمني وجزء آخر قائم على الأوهام تماما، ولن يطول الأمر قبل أن يدرك أوباما حجم الدمار الذي تسببت به سياساته حول العالم مع فارق أنها جاءت نتيجة استخدام أقل قدر ممكن من القوة العسكرية!