سياسة عربية

السيسي: لو خرج مليون شخص ضد الحاكم فإن عليه ترك السلطة

الآلاف يخرجون يوميا في شوارع مصر رفضا لانقلاب العسكر - أرشيفية
جدد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تصريحاته السابقة التي قال فيها إنه "عندما يخرج مليون شخص إلى الشارع ضد الحاكم، فإن عليه التخلي عن السلطة".
 
جاء ذلك في حوار أجرته مجلة "دير شبيغل" الألمانية الشهيرة مع السيسي، ونشرته الأحد على موقعها، مشيرة -في افتتاحيتها- إلى الحوار الذي أجراه صحفياها ديتر بدنارتس وكلاوس برينكبويمر، في قصر الرئاسة بالقاهرة.
 
وقال السيسي في حديثه مع المجلة: "لن أستمر في الحكم ضد إرادة الشعب أبدا".

وفي إجابته عن سؤال حول من يمثل التهديد الأكبر: داعش أم الإخوان المسلمين؟ قال السيسي: هما ينتهجان ذات الأيديولوجية، ولكن الجذور تعود إلى الإخوان المسلمين، حيث إنه انبثق منهم جميع المتطرفين"، على حد وصفه.
 
وترفض دوائر غربية اعتبار الجماعة جماعة إرهابية، كما صنفها نظام السيسي.
 
وصدرت عن كبار المسؤولين الغربيين تصريحات تنبه إلى خطورة وضع جماعة الإخوان المسلمين في سلة واحدة مع أي جماعات وتنظيمات جهادية أخرى، مؤكدة أنه لم يثبت لديها أن الجماعة إرهابية.
 
وأجرت الحكومة البريطانية تحقيقات مستفيضة في هذا الشأن خلال عام 2014 الماضي، خلصت في النهاية إلى أن الجماعة ليست إرهابية بحسب تسريبات مقربة من وزارة الخارجية البريطانية.
 
وفي حواره مع "دير شبيغل"، أشارت المجلة الألمانية العريقة إلى أن الحوار استغرق ساعتين ونصف الساعة، وأن السيسي أجاب فيه عن أسئلة جريئة ونقدية حول التعامل مع الإخوان المسلمين، وحقوق الإنسان، والحرب على الإرهاب.
 
وفي البداية واجه الصحفيان الألمانيان السيسي بأنه وصل إلى منصبه من خلال "انقلاب"، وقالا: "هكذا نسمي إسقاط رئيس منتخب ديمقراطيا، حتى وإن كان رئيسا سيئا".
 
فرد السيسي قائلا: "توصيفكم للأحداث خاطئ، وتحليلاتكم غير دقيقة. أنتم تنتمون إلى حضارة أخرى، ولديكم تجارب مختلفة بصورة كبيرة، وربما لا تستطيعون الخروج من هذا الإطار. عليكم أن تنظروا إلى الأحداث التي شهدتها مصر انطلاقا من التحديات والتهديدات التي تواجهها".
 
هنا سألته "دير شبيغل": "تقصدون أسلمة الدولة من قبل الإخوان المسلمين التي ينتمي إليها الرئيس السابق مرسي؟".
 
فأجاب: "ما تطلقون عليه "انقلاب" يعد بالنسبة لنا الثورة الثانية. لو خرج نصف الشعب في ألمانيا أو فرنسا أو بريطانيا إلى الشارع للمطالبة بإسقاط الحكومة، وعندما تلجأ هذه الحكومة إلى العنف، وحين لا يتدخل أحد..
 
فقاطعته المجلة: "تقصدون الجيش"؟ فمضى: "فإن تلك الدول ستنزلق إلى حروب أهلية. إن عدم تحركنا كان سيعني تخلينا عن مسؤولياتنا التاريخية والأخلاقية".
 
وهنا اتهمته المجلة الألمانية بأنه لم يتجنب اندلاع حرب أهلية بإزاحة مرسي، "بل استحضرتموها. الآلاف اضطروا إلى الموت، وأعداد أكثر تم إلقاء القبض عليهم".
 
وجاءت إجابة السيسي: "لا، لم يكن هناك ضرورة لموت الآلاف... إنني أشعر بالحزن تجاه موت شخص واحد. انظروا إلى العدد الكبير للذين ماتوا في العراق وسوريا وليبيا واليمن خلال العشر سنوات الماضية".
 
وتابع: "إن عدد مواطني مصر يصل إلى عدد مواطني تلك الدول الأربع مجتمعة. عندما تقارنون عدد الضحايا، فإنكم ستدركون أن جيشنا قام بحماية الشعب المصري".
 
وأضاف: "حال لم يتدخل الجيش، فإن مئات الآلاف إن لم يكن الملايين كانوا سيتعرضون للموت".
 
فجوة حضارية
 
لكن "دير شبيغل" واجهت السيسي بأن ما حدث في "رابعة" هو "مذبحة"، فقال: "أنتم تحكمون مجددا وفقا لمعاييركم. أيضا عدد ضحايا رابعة كان يمكن له أن يتضاعف عشرات المرات إذا ما قام المصريون أنفسهم باقتحام الميدان.. فالمصريون كانوا على استعداد للقيام بذلك. لقد شاهدنا لمدة 45 يوما الشلل الذى عانت منه منطقة مركزية في العاصمة، حيث إننا طالبنا المتظاهرين مرارا بفض اعتصامهم سلميا. هل كنتم ستسمحون بذلك في بلادكم دون تدخل الدولة؟".
 
فأجابت المجلة: "الشرطة لدينا كانت ستستخدم الغاز المسيل للدموع أو مدافع المياه. وفي حالة وقوع مثل تلك المذبحة في بلدنا، فإن وزير الداخلية كان سيستقيل".
 
فعاد السيسي إلى القول: "لا أشعر بأنه يعنيني الاعتراف بأن هناك فجوة حضارية بين البلدين. فالشعب والشرطة وكذلك المتظاهرون لديهم شعور بالمسؤولية. إلى جانب ما تقدم، فإن الشرطة الألمانية تمتلك معدات حديثة، ومدربة بصورة تعد الأفضل. كما أن المتظاهرين لديكم لا يحملون السلاح لاستخدامه ضد أفراد الشرطة".
 
واستطرد: "عليكم أن تربطوا مظاهرات الإخوان المسلمين بالإرهاب الذي تقوده الأفكار المتطرفة. هؤلاء يرون أنفسهم أنهم الشهداء الذين سيدخلون الجنة في حال موتهم".
 
وعندها ذكرت "دير شبيغل" أن "هناك منظمات لحقوق الإنسان تشكو من تنامي القمع خلال فترة ولايتكم مقارنة بفترة حكم مبارك".
 
فقال السيسي: "لا يمكن اختزال حقوق الإنسان بهذه الصورة كما تفعلون. عندما يقوم الإخوان المسلمون بالتلاعب بوعي الناس، ودفعهم إلى التشكك في عقيدتهم، فإن ذلك يُعد أيضا انتهاكا لحقوق الإنسان".
 
وتابع القول: "عندما لا يحصل المواطن على تعليم أو سقف يعيش تحته أو فرصة عمل، وكذلك آمال نحو المستقبل، فإن حقوق الإنسان تكون قد انتهكت. ليس من المناسب اختزال حقوق الإنسان في حرية التعبير. وحتى في هذه الحالة، فإن الجميع يتمتع بحق إبداء الرأي".
 
هنا استدركت المجلة: "لكنكم الوحيدون الذى يرى ذلك".. فقال: "كان لدى الإخوان المسلمين خياران للتعامل معنا، ونحن أيضا كان لدينا خياران. فالخياران أمامهم تمثلا في: إما الحكم أو قتلنا؛ ونحن كان أمامنا إما قتلهم أو محاكمتهم... ونحن قمنا بتقديمهم أمام القضاء، وهو الخيار الذى يُعد الأصعب"، على حد قوله.
 
فواجهته "دير شبيغل" بأنه "لم يكن ممكنا وصولكم إلى منصب الرئاسة دون النشطاء مثل أحمد ماهر ومحمد عادل وأحمد دومة. لكن الثلاثة صدرت أحكام بالسجن ضدهم لمدة ثلاث سنوات بسبب انتهاكهم قانون التظاهر المشدد؟".
 
فقال السيسي: "يستند حق التظاهر لدينا إلى القوانين الفرنسية والألمانية والسويسرية. ووفقا لقانون حق التظاهر لدينا، فإن هناك حاجة للإبلاغ عن المظاهرة. الأمر بالنسبة للنشطاء كان يتعلق بانتهاك القانون".
 
واستطرد: "هناك 90 مليون مواطن يبحثون عن الماء والخبز. هل تعتقدون أن بلدكم ستقيم استثمارات في مصر إذا ما استمرت المظاهرات لدينا يوميا؟".
 
فردت المجلة: "إن دستوركم يضمن حرية التجمعات، ونحن نرى ثلاثة من الثوار تم إصدار أحكام مشددة غير متناسبة عليهم. وهو أمر بصعب علينا فهمه، مثلما هو الوضع بالنسبة لأحكام الإعدام الـ138 التي صدرت الأسبوع الماضي؟".
 
فقال السيسي: "ينص القانون المصري على توقيع أقصى عقوبة على المتهم في حالة غيابه، حيث إنه تتم إعادة محاكمته مجددا فور إلقاء القبض عليه.. وهذه الأحكام جاءت في إطار الدرجة الأولى من التقاضي، وما زالت هناك درجات تقاض أخرى. وطالما يسعى بلدنا إلى تحقيق التقدم مثل بلدكم، فإن هناك حاجة ضرورية لاحترام استقلال  القضاء"، وفق وصفه.
 
وردت "دير شبيغل" بالقول: "لدينا الكثير من الشكوك في ما يتعلق باستقلال القضاء المصري. ثلاثة من الصحفيين بقناة الجزيرة تم سجنهم بسبب قيامهم بنشر تقارير مغلوطة عن مصر؟".
 
فعلق السيسي: "أولا: لو كنت في السلطة لحرصت على تجنب المزيد من المشكلات، وكذلك الطلب من الصحفيين الثلاثة مغادرة البلاد. ثانيا: قضاؤنا مستقل". وأضاف: "من المهم أن يفهم العالم الغربي أنه ليس الوحيد الذى يتمتع بقضاء مستقل".
 
ولجأ السيسي إلى المراوغة، عندما نبهته المجلة إلى أنه مطالب بعد 40 عاما من عمله كعسكري، بالتواصل مع منافسيه، والبحث عن الحلول الوسط، والدخول في مفاوضات لا نهاية لها، وفق وصفها، إذ إنه قال باقتضاب: "إن لكل إنسان قدرات متنوعة، وعليه أن يثق في قدراته، والتصرف بتلقائية.. هذا ما ذكرته لأصدقائي الأوروبيين".
 
تاليا؛ سألت "دير شبيغل" السيسي: "هل تشعرون بأن الغرب يفهمكم بصورة خاطئة؟".
 
فأجاب: "أنا أحاول شرح الحقائق له. الغرب ينظر إلى الأحداث بأعين أجنبية... فلن تلهبه النار التي تحدث هنا.. فإذا تدهورت الأوضاع، سيقوم بإعداد أمتعته والمغادرة".
 
وواجهته المجلة: "تدينكم هو سبب قيام الرئيس مرسي بتعيينكم قائدا عاما للجيش؟".

فقال: "لا أعلم في الحقيقة سبب اختيار مرسي لي...فأنا لم أظهر بما هو مختلف عن شخصيتي: إنسان بسيط، ولكن كثير القراءة والتفكير. ولقد حظي الخطاب الديني باهتمام كبير لدي. هناك حاجة ملحة للنظر في الخطاب الديني مع الأخذ في الاعتبار التراجع الذي تشهده عدد من الدول. أنا أتحدث عن هذا الموضوع حتى ولو كان يعني ذلك وضع يدي في عش الدبابير".
 
وحول قيام الرئيس الأمريكي باراك أوباما بتشكيل ائتلاف دولي بغية الحرب على "تنظيم الدولة الإسلامية" (داعش)، في حين جاءت مشاركة مصر في هذا الائتلاف رمزية، وفق المجلة، قال السيسي: "نحن شركاء في هذه الحرب، ولكنا نخوضها هنا في مصر. لقد بدأنا حربنا قبل تشكيل هذا التحالف بعام ونصف".
 
وتابع السيسي: "في حالة فشلنا في الحرب على الإرهاب، فإن المنطقة كلها ستشهد اضطرابات على مدى الـ50 عاما المقبلة. ومن ثم، فإن أوروبا ستصبح مهددة بالتعرض لاعتداءات ينفذها المتطرفون. هذا ما ذكرته حينذاك لأصدقائي الأوروبيين".
 
وتابع: "لم تكن لديهم الرغبة في تصديقي حيث إنهم كانوا يظنون أنني أبحث عن مبررات للأحداث هنا".