ذكرت مراسلة صحيفة "أوبزيرفر" إيما غراهام- هاريسون أن مدينة عين العرب/
كوباني تحولت إلى أنقاض، ودمرت بالكامل، وتركها مقاتلو الدولة مليئة بالقنابل غير المتفجرة، ودون طاقة كهربائية ولا مياه صالحة للشرب.
وتقول هاريسون إن خروج الدولة يعد نصرا دعائيا كبيرا، لكنه تم بثمن باهظ، حيث تحولت البلدة إلى جبال من
الدمار والقنابل والمفخخات التي لم تنفجر والجثث المتعفنة ونظام المياه المتهشم، ما يعني أنه تم تحرير المدينة، لكن لم يبق منها غير اسمها، فالخلاص من تنظيم الدولة كان ثمنه تدمير كوباني.
وينقل التقرير عن شمسة شاهينزادة، وهي مهندسة معمارية فرت من المدينة، قولها: "لا يمكن التعبير بالكلمات بعد العودة إلى مدينة كان فيها بيتك". وأشارت الى الساحة العامة، التي كان الناس يتجمعون فيها مطالبين بالحرية.
وتورد الصحيفة أن مسؤولين في البلدة يقولون إنه تم تدمير نصفها، وتمت تسوية بنايات كاملة بالتراب، وكأن زلزالا ضربها، ولم تنج أي بناية أو بيت من الرصاص والقصف، والبيوت الباقية تهشمت نوافذها، وسقطت أبوابها، وخسرت بعض جدرانها.
ويشير التقرير إلى أن هناك بعض الأشياء التي نجت دون ضرر، مثل صواني المواد الغذائية التي لم تبع في دكان، وتبدو مثل مواد محفوظة في متحف، وحولها الأسلاك المعوجة، وتلال من الردم، وسيارات انبعجت أجزاؤها.
وتعلق الكاتبة بأنه "حتى في الشوارع التي لا تزال على حالها هناك شعور بالصمت لا يقطعه سوى صوت لعلعة القنابل من بعيد".
وتنقل الصحيفة عن المحامي السابق ورئيس الحكومة في كوباني، أنور مسلم، قوله: "المعركة لم تنته". وأضاف: "نحن هنا في كوباني على خطوط القتال نقاتل ضد الإرهابيين، نيابة عن الناس كلهم في العالم.. وترين هنا الثمن الذي ندفعه من أجل الحرية". ويعني الدمار أن عودة اللاجئين الموزعين على المخيمات في تركيا، الذين احتفلوا بخروج تنظيم الدولة من البلدة، لن يعودوا؛ لأنه لم تعد هناك بيوت يعودون إليها، ولأن الوضع في البلدة لا يزال خطيرا، ولعدم وجود خدمات، وبسبب الجثث المتعفنة.
وتؤكد هاريسون أن الانتصار لم يكتمل، وخاصة مع تدفق الجرحى من خطوط القتال حول البلدة إلى المستشفى الميداني. ويقول مقاتلون أكراد إنهم فرحون، كمن يريد القفز في الهواء، ولكنهم يشعرون بالحزن بسبب من فقدوا من رفاق. وبالنسبة لتنظيم الدولة فقد خسر ألف مقاتل.
وتقول الكاتبة: "في كل مكان قنابل، وبقايا مخازن رصاص وحديد معوج من بقايا قنابل الهاون، وبعض القنابل المدفونة البارزة أطرافها ولم تنفجر وتثير الخوف. وفي الشوارع الجانبية، التي أغلقت بجثث مقاتلي الدولة المتعفنة حيث سقطت، هناك كومة من العظام التي تنبعث منها رائحة كريهة، وفي الشوارع الموحلة هناك سلسلة من ستائر القناصة، التي تخفي وراءها الدمار الذي حل على مدرسة وبيوت في أماكن أخرى".
وتفيد هاريسون بأن "أكثر من نصف المدينة مدمر، كما يقول المسؤولون، وهناك بيوت كاملة سويت بالتراب، ما يمنع عودة اللاجئين"، مشيرة إلى أن السلطات التركية تسجل اسم كل سوري يخرج من المخيمات، وتحذرهم أنهم لن يستطيعوا العودة إن اجتازوا الحدود. وتظل عملية العودة مقامرة، خاصة أن الدولة لا تبعد سوى عشرة كيلومترات عن الحدود، وتئن من هزيمتها.
وتلفت الكاتبة إلى أن المسؤولين
الأكراد لا يتعاملون مع انتصارهم على أنه نهائي، خاصة المقاتلين الذين يحرسون المباني المتبقية. وينقل التقرير عن ماهر حامد قوله: "لا يمكننا الاحتفال؛ لأننا خسرنا الكثير من الشهداء".
وتجد الصحيفة أنه رغم خسارة الدولة أكثر من ألف مقاتل، إلا أن الأكراد خسروا المئات في بداية المعركة، التي وضعت مقاتلين بأسلحة خفيفة أمام جهاديين معززين بأسلحة ثقيلة، أخذوها من الجيش العراقي. وكاد المقاتلون الأكراد يخسرون المعركة في مرحلة معينة.
وتبين الكاتبة أن النصر لم يكن يتوقعه أحد إلا الأكراد أنفسهم، فقد توقع الجميع سقوط البلدة في الخريف الماضي، وعندها جاءت أمريكا للمساعدة في الغارات الجوية وبإنزال أسلحة للمقاتلين داخل البلدة.
ويوضح التقرير أن
الدولة الإسلامية لم تستطع الصمود، رغم ما وضعته من مصادر عسكرية ومقاتلين اندفعوا للموت، وآلة إعلامية، حيث أرسلت الرهينة البريطاني جون كانتلي، في مهمة دعائية لتصوير سيطرة الدولة على البلدة بشكل كامل. ولكن الغارات وصمود المقاتلين الأكراد أديا إلى خروج الدولة منها، وبعد 130 يوما.
وتستدرك الصحيفة بأنه رغم هذا يفتخر رئيس البلدة أنور مسلم بالقول: "ننحني احتراما للمقاتلين الأكراد، الذين كانوا مثل فيلق من أسبرطة القديمة، والذين منعوا الإرهاب وقاتلوا (داعش) على خلاف التوقعات".
ويقول مسلم، إنه شكّل لجنة من الأطباء والمحامين والمهندسين والمعماريين وغيرهم من الخبراء؛ للبدء في المهمة الضخمة والمتمثلة بتنظيف المدينة ومبانيها، التي قد تأخذ سنوات وربما عقودا.
ويقول نائب رئيس الهيئة الخارجية في الإدارة الذاتية الكردية في مقاطعة كوباني، إدريس نعسان للصحيفة: "هناك قنابل هاون لم تنفجر وصواريخ، وربما مفخخات، تركها الإرهابيون لتفاجئنا"، وأضاف أنه "ليس هناك طعام أو دواء ولا حليب أطفال، وفي حال عودة الناس إلى هنا فستكون هناك كارثة إنسانية".
وتذكر هاريسون أن عملية إعادة الإعمار تعد مهمة صعبة، خاصة أن الدولة لا تزال تحيط بالبلدة من كل جانب. والمعبر الوحيد المتوفر هو الحدود التركية، حيث تدعو الحكومة التركية لإنشاء معابر إنسانية ومخيمات لجوء داخل سوريا.
ويأمل الأكراد بوصول مساعدات إنسانية من الحلفاء الذين ساعدوا في الحرب، وأهم أولوية هم بحاجة إليها خبراء في تفكيك المتفجرات.
وتختم هاريسون تقريرها بالقول إن "الدمار كبير، بحيث اقترح خبراء ترك المكان الحالي، وبناء المدينة في مكان آخر، لكن نعسان يقول إن قرارا مثل هذا سيكون عاطفيا. لسوء الحظ دمرت البلدة، لكن الناس لديهم ذكريات هنا، ولا يريدون الانتقال إلى مكان آخر".