رأى محللون سياسيون وخبراء أردنيون، أن صانع القرار في بلادهم لن يفرط بورقة العراقية المعتقلة في سجونه، ساجدة
الريشاوي، ويفرج عنها تنفيذًا لمطالب
الدولة الإسلامية من أجل إخلاء سبيل الرهينة الياباني المحتجز لديها، ما لم تكن المفاوضات أوسع وتشمل الطيار معاذ
الكساسبة الذي يقبع في سجونها.
والثلاثاء الماضي، طالبت "الدولة" الحكومة اليابانية بدفع فدية مقدارها 200 مليون دولار أمريكي للإفراج عن رهينتين يابانيين محتجزين لديه، مهددة بذبحهما خلال 72 ساعة إذا لم تتم تلبية طلبها.
إلا أن الحكومة اليابانية أعلنت أنها لن ترضخ لتهديداتها بإعدامهما، وهو ما قابله التنظيم بقتل أحدهما والمطالبة بإطلاق سراح "الريشاوي" في مقابل الإفراج عن الياباني الآخر، كينجي
غوتو.
وأظهر شريط فيديو مدته ثلاث دقائق نشر على الإنترنت، السبت الماضي، الرهينة الياباني الصحفي كينجي غوتو، وهو يحمل صورة تظهر فيها جثة للرهينة الثاني هارونا يوكاوا.. ويقول الرهينة بالإنجليزية إن المسلحين ما عادوا يطلبون المال لإنقاذ حياته، ولكنهم يريدون الإفراج عن "أختهم" الريشاوي.
والريشاوي معتقلة لدى السلطات الأردنية ومحكوم عليها بالإعدام بعد أن فشلت في تفجير نفسها يوم الأربعاء 9 تشرين الثاني/ نوفمبر 2005، ضمن سلسلة تفجيرات وقعت في ثلاثة فنادق بالعاصمة الأردنية عمان، خلفت عشرات القتلى والجرحى في الأحداث المعروفة باسم "الأربعاء الأسود".
وقال الكاتب الصحفي والمحلل السياسي فهد الخيطان، إن الأردن لن يستجيب لمطالب التنظيم بالإفراج عن الريشاوي، ولا يمكن لومه على ذلك بسبب وجود طيار أردني لدى التنظيم، وبالتالي فإنه لا يمكن له أن يفرط بأي ورقة يمكن أن يستعملها في المفاوضات السرية مع التنظيم.
وأكد أنه على اليابان التي تراهن على استجابة الأردن لمطلب الدولة وإطلاق سراح الريشاوي، أن تعذر المملكة حال لم تشمل الصفقة الطيار الكساسبة، لأن الرأي العام لا يمكن أن يرحم صانع القرار حال تعثر مفاوضات إطلاق سراح الأخير.
الخبير في شؤون الجماعات الجهادية والكاتب محمد أبو رمان، لم يختلف برأيه عن الخيطان، حيث يرى أن الأردن لن يفرط بورقة السجينة العراقية، ولن يرفض الطلب بشكل مباشر، متوقعًا أن تطالب السلطات بتوسيع الصفقة لتشمل الطيار معاذ الكساسبة.
وأعلنت الدولة الإسلامية أواخر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، عن إسقاط طائرة تابعة للتحالف الدولي قرب مدينة الرقة السورية، وأسر قائدها الأردني معاذ الكساسبة.
ورأى أبو رمان أن الطلب "من داعش كان مفاجئًا؛ لأن تنظيم داعش لأول مرة يتحدث عن أمر ولا ينفذه بعدما طالب اليابان بدفع فدية، وبعد انتهاء المهلة التي منحها التنظيم، أعدم رهينة وغيّر مطلبه مع الآخر".
وقال أبو رمان إن "موضوع ساجدة أظهر عدم الاتفاق داخل داعش على مصير الطيار، لذلك فقد أراد أن يبعد قضية الريشاوي عن الطيار الكساسبة".
من جهته، رأى المحلل والكاتب الصحفي راكان السعايدة، أن طلب الدولة الإسلامية مقايضة الريشاوي بالرهينة الياباني يخلط الأوراق الأردنية، ولا يربك الحكومة الأردنية وحدها، وإنما يربك كذلك تفكير العامة والنخب بقدر إرباكه تفكير مختلف مستويات القرار السياسي، فإلى وقت قريب كان التصور العام أن الأردن سيعمل على استبدال الريشاوي بالطيار معاذ الكساسبة.
وتساءل السعايدة: "بما أن الريشاوي مطلوبة من تنظيم الدولة الإسلامية مقابل الرهينة الياباني، فإن السؤال يكون: ما المطلوب مقابل الإفراج عن الكساسبة؟ وما القضايا التي يفاوض الأردن، بصورة غير مباشرة، التنظيم عليها؟ أو بلغة أدق ماذا يطلب التنظيم من الأردن مقابل الطيار الكساسبة؟".
ويعتقد السعايدة أن "صفقة الريشاوي مقابل الياباني لن تتم، لسببين: الأول أن اليابان لا تفاوض على الرهائن من طرف تنظيمات متشددة، والدليل أن أحدهم تم قتله، والآخر متوقع قتله أيضا.. والسبب الثاني أن الأردن ليس بوارد أن يقدم الريشاوي ثمنا للرهينة الياباني، برغم أن التنظيم اختار الأردن ليقدم البديل عن اليابان لعلمه بأن الأردن بلد مستفيد من المساعدات اليابانية، ويمكن أن يضحي بساجدة لقاء مصالحه مع اليابان".
بدوره، قال الخبير في شؤون الجماعات الجهادية مروان شحادة، إن التنظيم المتشدد كان ذكيًا للغاية في مطالبته بالريشاوي لقاء إطلاق سراح الرهينة الياباني، حيث إنه كان يهدف إلى تشتيت الرأي العام.
وأشار شحادة إلى أن جميع السيناريوهات واردة "فربما يحتفظ الأردن بورقة الريشاوي للضغط بالمبادلة مع الطيار الأردني، أو يمكن أن تكون مصلحة الأردن إطلاق سراحها".
وظهرت الريشاوي في تشرين الثاني/ نوفمبر 2005 على شاشة التلفزيون الأردني وقدمت اعترافات بمحاولتها الفاشلة للمشاركة في الهجمات على الفنادق، قائلة: "دخلت للأردن برفقة زوجي في سيارة خاصة وبجواز سفر عراقي مزور، ثم قمنا باستئجار شقة في عمان، ويوم التاسع من نوفمبر (تشرين الثاني) 2005، ألبسني زوجي حزاما ناسفا ودربني على كيفية استخدامه، وارتدى هو حزاما ناسفا آخر، ثم توجهنا إلى فندق راديسون ساس (وسط عمان) حيث كان يقام حفل زفاف في إحدى قاعاته، ووقفت بإحدى زوايا الفندق وزوجي في زاوية أخرى، حاولت تفجير نفسي لكني لم أتمكن من ذلك، بينما تمكن زوجي من تفجير الحزام الناسف الذي يرتديه، فخرجت الناس وركضت، وركضت معهم".
وساجدة مولودة في العراق عام 1970، وزوجها علي حسين الشمري الذي فجر نفسه، من أتباع الأردني أبي مصعب الزرقاوي زعيم تنظيم القاعدة في العراق سابقاً، وكان قتل على أيدي القوات الأمريكية عام 2006.
ويشن تحالف غربي– عربي، بقيادة الولايات المتحدة، غارات جوية على مواقع للدولة الإسلامية (داعش)، التي تسيطر على مساحات واسعة في الجارتين العراق وسوريا، وأعلنت في حزيران/ يونيو الماضي، قيام "دولة الخلافة"، وتنسب إليها عمليات قطع رؤوس رهائن وارتكاب انتهاكات دموية بحق أقليات، بحسب وسائل إعلام.