نطق القاضي بالحكم، فانهمرت دموع
الطفلة الأسيرة على وجنتيها، وارتجفت أطرافها خوفا من الجنود المحيطين بها المدججين بأسلحتهم، والذين سيعودون بها إلى زنازين
الاعتقال، في حين كان الوالدان ينظران إليها في قاعة المحكمة من بعيد، يتشوقان لاحتضانها، ومسح دموعها، وبث بعض من الأمان لقلبها الصغير.
اعتقال لمدة شهرين، وكفالة مالية مقدارها ستة آلاف شيقل إسرائيلي (1500 دولار)، هو
الحكم الذي صدر على أصغر أسيرة
فلسطينية في السجون الإسرائيلية، ملاك علي الخطيب (14 عاما) من قرية حزما قضاء مدينة رام الله وسط الضفة الغربية، بعد توجيه ثلاث تهم ضدها، هي: رمي الحجارة وقطع الطريق (شارع 60 الذي يفصل شمال الضفة عن جنوبها)، وتعطيل حركة المرور فيه، وحيازة سكين، بحسب والد ملاك.
واعتقل جيش الاحتلال الإسرائيلي الطفلة ملاك في 31 كانون أول/ ديسمبر الماضي، لدى عودتها من مدرستها في قرية بيتين قرب رام الله، لتكون أصغر أسيرة لدى الاحتلال الإسرائيلي، وأصغر أسيرة في العالم، بحسب مركز أحرار لدراسات الأسرى (غير حكومي).
بصوت تخنقه غصة وألم على فلذة كبده، يقول علي الخطيب والد الطفلة الأسيرة، إن "السلطات الإسرائيلية أحضرت طفلته للمحكمة وهي مقيدة اليدين والرجلين، متجاهلين طفولتها ولين جسدها وضعفها".
ويتابع الوالد الذي لم يترك له الحزن مساحة للتنفس بعد أن ضاقت عليه الحياة بما رحبت: "عندما نطق القاضي بالحكم، ورأيت ملاك تبكي وتمسح دموعها، وترتجف من البرد، أحسست بأن النار اشتعلت في صدري".
صمت برهة ثم أكمل: "حسبنا الله ونعم الوكيل في هذا الاحتلال، أين العالم؟ أين مؤسسات حقوق الإنسان والطفل؟ ابنتي تموت كل يوم من الخوف والبرد في السجن، ولا أحد يلقي لها بالاً".
أما والدتها خولة الخطيب فتقول: "في المحكمة، بكيت مع طفلتي التي تفصلها عنا أمتار قليلة، ولا نستطيع أن نلمسها أو أن نتحدث معها، تمنيت أن أحتضنها ولو لدقيقة واحدة، كي أشعرها بالدفء، وهي بين أيدي احتلال مجرم لا يعير للطفولة أي اعتبار أو اهتمام".
وتضيف الأم لوكالة الأناضول: "كيف يوجهون هذه التهم لطفلة صغيرة لم تتجاوز 14 عاما، هذه التهم باطلة، ودائما تكون هذه التهم جاهزة لدى الاحتلال".
وعانت ملاك من شدة البرد ونقصان الملابس والأغطية، حتى بدا ذلك واضحا عليها، بحسب والدها، قائلا: "كانت ملاك تحضر للمحكمة ووجهها أزرق من شدة البرد، ويداها ترتجفان، ولا ترتدي الملابس الكافية في هذا البرد القارس، فالأسيرات في سجن هشارون (وسط إسرائيل) حيث ملاك الآن يعانين من قلة الأغطية والملابس".
ويضيف: "سمح لنا أن نتحدث لدقيقتين فقط مع ملاك في قاعة المحكمة، وعندما سألناها لماذا تبدو بهذا الشكل، قالت لنا إنها كانت مريضة، وأخبرتنا أيضا أن الأسيرات يعتنين بها ويوفرن لها الملابس".
وعن حال العائلة المكونة من أربعة إخوة وأربع أخوات لملاك، هي أصغرهم، تقول والدتها: "نعيش حالة صدمة مما حصل، حياتنا انقلبت رأسا على عقب، وعندما نجلس أمام مائدة الطعام نتذكر أن ملاك تعاني الأمرين في السجن، فنمتنع عن الطعام".
من ناحيته، قال فؤاد الخفش، مدير مركز أحرار لدراسات الأسرى وحقوق الإنسان، إن "الطفلة ملاك الخطيب لا تعد فقط أصغر أسيرة لدى إسرائيل، وإنما في العالم بأسره".
وأضاف الخفش، في تصريحات لوكالة الأناضول، أن "إسرائيل تعتقل ما يقرب من 280 طفلا في سجونها، موزعين على سجني هشارون ومجدو، ويعانون أوضاعا قاسية للغاية".
وأشار إلى أن "مركز أحرار أطلق حملة إعلامية للضغط والإفراج عن الطفلة ملاك الخطيب"، مستنكرا صمت العالم ومؤسسات الدفاع عن حقوق الطفل تجاه الانتهاكات الإسرائيلية بحق الأطفال الفلسطينيين، وفق قوله.
وطالب الخفش المستوى الفلسطيني الرسمي بـ"التحرك العاجل للإفراج عن الطفلة ملاك".
ومضى بالقول: "الصمت حيال قضية ملاك غير مبرر، ولا يمكن التمادي أكثر مع انتهاكات الاحتلال المتكررة، لا سيما بحق الأطفال الفلسطينيين، فملاك ليست الأسيرة الأولى ولا الأخيرة من بين الأطفال الفلسطينيين، وهناك استهداف واضح من قبل الاحتلال للأطفال منذ سنوات".