النقد الذاتي اليوم هو من أولى الأولويات لكي تصوب الأمة مسارها، وواجب الوقت عليها أن تدرس ماضيها وتستخلص منه الدروس والعبر وذلك كي تستدرك ما فاتها في حاضرها ومستقبلها.
وقع بين يدي كتاب بعنوان: (الحركة الإسلامية: رؤية مستقبلية/ أوراق في النقد الذاتي) حررَه وقدمه الدكتور عبد الله فهد النفيسي، وشارك بأوراقه البحثية مجموعة من المفكرين والنقاد من أبرزهم، د.توفيق الشاوي، د.حسن الترابي، د.حسان حتحوت، د.محمد عمارة، الأستاذ فريد عبد الخالق، الاستاذ منير شفيق، د.طارق البشري، وغيرهم.
ومن المحزن أن هذا الكتاب يعتبر دراسة قديمة فقد تم تأليفه في العام 1989 ميلادية لكن كثيراً مما يحتويه الكتاب يعكس صورة الحاضر !! وقد قدم كل مشارك في الكتاب ورقة بحثية على حدة حول محور من محاور الحركة الإسلامية، افتتح المؤلفون كتابهم بإهداء نصه:
(إلى الذين نحبهم ولكن نختلف معهم نقول:
إن الحركة التي لا تريد أن تراجع أو تدرك أخطاء ماضيها
من الممكن أن يتحول حاضرها إلى كومة من الأخطاء ومستقبلها إلى كارثة.
الحل يكمن في نقد الماضي ومراجعته وتحديد أخطائه من أجل تلافيها في الحاضر وتوظيف ذلك معرفياً وموضوعياً في المستقبل)
من خلال قراءتي للكتاب والاطلاع عليه، فقد وجدت فيه العديد من الأفكار والمراجعات التي تستحق المدارسة والاستحضار، وخاصة في هذه الأيام التي تعد عصيبة وشاقة على الحركة الإسلامية، وقديماً قيل: حقيقة مرّة خيرٌ ألف مرة من وهم متبدد.
ولأهمية محتوى الكتاب وما جاء فيه من نقد ذاتي، فقد اجتهدت أن ألخص أبرز ما جاء فيه من أفكار ومراجعات في مقالات متسلسلة، علها تسهم في زيادة منسوب الوعي والإدراك لدى القارئ وبالأخص الشباب منهم.
إن أبرز الأفكار والمراجعات التي استوقفتني والتي أود طرحها في المقالة الأولى هي من الفصل الأول في الكتاب، وهو فصل التوطئة والتقديم، الذي كتبه وحرره الدكتور عبد الله فهد النفيسي، وقبل أن أسرد أبرز هذه المراجعات وألخصها، وجب التنويه أن الآراء الواردة في هذا الكتاب تعبر عن أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن مجموع المشاركين فيه، فالكتاب كما ذكرنا سابقاً، أوراق بحثية منفصلة كتبت على حدة وكل ورقة لها كاتبها وتحليله الخاص.
و أبرز ما جاء من مراجعات في هذا الفصل:
- إن مفهوم النقد الذاتي يُِِعتبر غريبا ً على المسلمين، فهم لا يرون فيه مصطلحاً إسلامياً ولا يفهمون تحته إلا التشهير، وهذا يجب تعديله. إن النقد الذاتي حركة ديناميكية حية متطورة نامية وأداة إنضاج للوعي، إن َ هذه الأداة سترافق الإنسان حيث أعمل عقله، سواء في رؤية برنامج تلفزيوني، قراءة قصة، تناول بحث، طبخة، ركوب سيارة،...، النقد الذاتي أداة نفض مستمرة للوعي لكي يبقى نشطاً حياً تطوراً.
- نقولها بكل أسف بأن جميع مؤسسات الحركة غارقة إلى أكثر من قامتها في أعمالها اليومية، وأن َ معظم جهود الحركة تصب في محاولة التصدي للأحوال الطارئة أكثر من التخطيط للمستقبل، هذا الأسلوب يقلص إمكانيات التفكير المنهجي ذي المدى البعيد، ويشجع على أسلوب حل كل مشكلة بعد نشوئها، وإذا استمرت القيادة - على أي مستوى – في العمل بهذه الكيفية فلا شك أنها ستظل ضمن هذه الحلقة الشريرة من المشاكل الطارئة، ودون التفكير المنهجي المرتكز على الرؤية التخطيطية سيتزايد ضغط المشاكل الطارئة، وهذا الضغط بدوره سيعرقل التفكير على المدى البعيد.
- تفيد الدراسات المتخصصة في علم الاجتماع السياسي أن الجمهور لا يتحمس لمساندة أي تيار، إلا إذا تحقق فيه شرطان: الأول أن يفهم الجمهور مقاصد التيار وأهدافه، والثاني أن يجد الجمهور لدى التيار حلا ً لمشاكله الحقيقية التي يعاني منها، لذا ينبغي على الحركة الإسلامية أن تعرض نفسها على الجمهور في صورة واضحة ومفهومة وميسرة، وعليها من جانب آخر أن تحدد بعلمية وموضوعية مشاكل الجمهور – وفق مُعطيات الواقع لا وفق خيالات الحركة –، وأن تطرح الحلول لها والقيام بتعبئة الجمهور وتحريكه لصالح الحلول التي تطرح. إن وضوح صورة الحركة الإسلامية في عقل الجمهور أمر في غاية الأهمية، ونقصد بوضوح الصورة أن تتأكد الحركة الإسلامية أن الجمهور قد فهمها وعرف ما تريد وإلام تهدف. إن أي خلل في الصورة التي تترسب في لا شعور الجمهور من شأنه أن يعيق العمل الإسلامي لفترة طويلة من الزمن، ولذا لا بد من توضيح تلك المقاصد وتحديدها واختصارها عبر كل الأنشطة الإعلامية للحركة، ويجب أن تكون بطرح عملي بسيط يبتعد عن التنفير والغلظة والأستاذية.
- على الحركة الإسلامية أن تتحاشى الغرق في الخلافات الفقهية المتعلقة بقضايا عفا عليها الزمن ولا علاقة لها بشأن الناس، ومن هنا كان لزاماً الابتعاد عن فخاخ الجدل حول التاريخ الإسلامي، وينبغي الانتقال من العقلية الماضوية التي تحوم حول الماضي، إلى العقلية المستقبلية التي تشرئب للمستقبل حتى يدرك الجمهور أن الإسلام هو مشروع نهوض للمستقبل، هذه الصورة الحيوية الدينامية التي من المطلوب أن تجسدها الحركة الإسلامية، والتي يجب ترسيخها في لا شعور الجمهور عبر الأقنية المتعددة، وإذا كانت الحركة الإسلامية تريد من الجمهور أن يساندها، فعليها أولاً أن تبادر باحتضان قضايا الجمهور.
يتبع.....
مقتطفات رقم (2) من كتاب (الحركة الإسلامية: رؤية مستقبلية/ أوراق في النقد الذاتي)