كشفت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية أن منفذي الهجمات الدامية في باريس كانوا معروفين لدى أجهزة الأمن ومرصودين وخاضعين للمراقبة، ورغم ذلك فإنهم نجحوا في تنفيذ الهجوم الذي استهدف صحيفة "
شارلي إيبدو". وهو ما يمثل مفاجأة من العيار الثقيل تفتح الباب واسعا أمام سيل كبير من الأسئلة.
وبحسب الصحيفة، فإن أجهزة الأمن الفرنسية كانت تقوم بمراقبة المكالمات الهاتفية للمنفذين، وتعلم بأنهم تلقوا التدريبات في معسكرات باليمن، كما أن تعاونهم مع الجهاديين في الضواحي الباريسية كان موثقاً أيضاً، وكانوا تبعاً لذلك ممنوعين من السفر إلى الولايات المتحدة.
ونقلت الصحيفة عن رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالز يوم الجمعة الماضية قوله: "طبعاً كان هناك فشل"، مشيرة إلى "صدى غير موفق مع خطابه الذي ألقاه عندما كان وزير داخلية قبل ثلاث سنوات"، عندما انتقد الأخطاء والفجوات لوكالات مكافحة
الإرهاب الفرنسية بعد قتل سبعة في تولوز ومونتابان من قبل المتطرف محمد ميراح ذي الـ23 عاما.
ويطرح تقرير الصحيفة أسئلته حول فاعلية سياسة مكافحة الإرهاب الفرنسية، في وقت ينتهي فيه الحداد الوطني على ضحايا هجوم باريس، حيث قال مستشار الإرهاب جين شارلز بريسارد في التقرير إن "الأولويات تحتاج الى إعادة تقييم"، مضيفا أن "الإجراءات الاستخباراتية تركز مؤخرا على الجهاديين العائدين من سوريا، الذين كانوا يعدّون التهديد الرئيس الجديد، ناسية المجموعات الأكبر التي يمكن إعادة تفعيلها، وبالتالي، كما أظهرت الحالة، فقد تحولوا إلى تنظيمات أكثر عنفا وتماسكاً".
واستشهدت الصحيفة بمقارنة حادثة باريس مع مقتل الجندي البريطاني ليي ريجبي في لندن في 2013، حيث إنها لا تكفي مراقبة المشتبه بهم الواضحين، بل إنه تجب مراقبة الهامشيين كذلك.
ونقلت الصحيفة عن البرلماني سباستيان بيتراسانتا تقريرا كتبه العام الماضي عن المقاتلين الإسلاميين، حيث يقول إن التهديد الجهادي منتشر ويتطور بسرعة، مضيفاً أن هناك أولئك الذين سافروا إلى سوريا وهناك "شريحة شابة وغير متجانسة" وراءهم في باريس تعمل كشبكة دعم لهم.
وأضافت الصحيفة أن هجمات شارلي إيبدو، تظهر أنه بالرغم من الإصلاحات، فإن الوصول الوظيفي لمديرية الأمن الداخلي لا يزال غير مكتمل، وتضيف أن "المعلومات حول الأخوين كواشي وشريكهم أميدي كوليبالي كانت مع عدة سلطات، كما أنها كانت معروفة لكل من المديرية والإدارة الفرعية (SDIG)، المسؤولة عن مراقبة التطرف الأقل مستوى، وأن الشرطة الباريسية كانت تضعهم تحت أنظارها.
ونقلت الصحيفة أقوالا عن أن كوليبالي وشريف كواشي أجريا 500 مكالمة من خلال هواتف زوجاتهما العام الماضي، في حين أن سعيد كواشي كان موضوع عدد جيد من المكالمات حتى نهاية حزيران/ يونيو الماضي.
وقال نائب الرئيس السابق للاستخبارات البريطانية (MI6) نيجل إينكستر للصحيفة، إنه "مع الإدراك المتأخر، يبدو كل شيء مترابطا، فقد كان هؤلاء الأشخاص على الرادار، ولكن الأجهزة لديها الكثير على راداراتها. السؤال الحقيقي: كيف تحكم أن هناك من يستحق تركيزا وانتباها أكثر؟"، في وقت تظهر فيه حادثة شارلي إيبدو "رمزيات التحدي الذي تواجهه الأجهزة الأمنية"، بحسب إينكستر.
وقالت الصحيفة إن هذه مشكلة على امتداد أوروبا، إذ إن ما يقرب من 5000 شخص يقاتلون في سوريا، ويدعمهم عدد لا نهائي من الزملاء والعائلات، في حين أن الحكومات لا تستطيع في القارة محدودة الموارد مراقبة كل إرهابي محتمل.
وقال بريسارد للصحيفة: "تحتاج إلى 20 شخصا لمراقبة شخص واحد لمدة أربع وعشرين ساعة"، ويضيف أنه حتى لو قلل العدد جدلياً إلى عشرة بالاستفادة من التقنية الحديثة، فإنه لا يوجد جهاز استخباراتي في أوروبا لديه القدرة البشرية الكافية على مراقبة كل جهادي يسافر إلى سوريا.
واختتم تقرير الصحيفة بحديث المدير العام للوكالة الأمنية المحلية البريطانية، المعروفة بـ(MI5)، أندرو باركر الذي أكد أن "المخابرات البريطانية كانت على علم بـ20 هجمة مرتبطة بسوريا، إما أفشلت أو تمت"، مضيفا أنه "بالرغم من أننا وشركاءنا نقوم بكل ما نستطيع، فإننا لا نأمل في أن نوقف كل شيء".