عرفت
موريتانيا لقرون عدة ببلاد
شنقيط وأرض
الصحراء، وشهدت منذ القرن العاشر الهجري نهضة ثقافية شاملة إلا أن أهلها لم يهتموا بتدوين حركتهم العلمية وتوثيق أحداثها والتأريخ لها، ومن أكثر ما يبهر زوار مدينة "شنقيط" الموريتانية التي سميت البلاد باسمها،
المسجد العتيق الذي يقع في وسط المدينة، الواقعة في عمق الصحراء بالشمال الموريتاني وتحاصرها الكثبان الرملية من كل مكان.
نمط معماري فريد
ويمتاز الجامع العتيق في مدينة شنقيط الأثرية بنمط معماري فريد من نوعه، حيث شيد على نسق يتيح له البقاء لأطول فترة زمنية ممكنة، ويقاوم مناخ الصحراء المتقلب، فقد استطاع المسجد أن يظل شامخاً لأكثر من ثمانية قرون متتالية، رغم أنه خضع للترميم واستبدل سقفه أكثر من مرة، وأدخلت عليه بعض التعديلات و طلاء جدرانه الداخلية باللون الأبيض وطلاء واجهته الخارجية باللون الأصفر الفاتح، فقد ظل يحافظ على أدبيات وتقاليد مميزة، ويحتفظ بنمطه المعماري الخاص.
أما واجهة المسجد فتعكس بوضوح نموذجاً آخر من الزخرفة الإسلامية تطبعه البساطة، ويعتمد على استخدام الأقواس التي تضفي لمسات فنية وجمالية على أبواب المسجد، ويحيط به سور سخري فضلاً عن صخرة تحديد دخول وقت صلاتي الظهر والعصر عن طريق الظل، وهي طريقة يستخدمها الشناقطة منذ عصور في تحديد أوقات صلاة الظهر والعصر، فيما يعتمد السكان في تحديد أوقات المغرب والعشاء والفجر على مطالع النجوم.
ومن بين مميزات مسجد شنقيط ذلك الباب الموجود خلف المئذنة في أقصى اليمين، الذي يؤدي عبر ممر ضيق، إلى المصلى الخاص بالنساء في الركن الجنوبي الغربي من المسجد.
افتراش الرمل
ويصر القائمون على المسجد العتيق بشنقيط على أن يفترش المصلون الرمل تأسياً بالسلف الصالح، وابتعاداً عن أي مظهر قد يؤول إلى الترف وإشغال المصلين عن أداء أول شعيرة من شعائر الإسلام، غير أن أرضية المسجد تستبدل دورياً كل عام بأرضية جديدة ونظيفة، يتم جلبها من الكثبان الرميلة المحيطة بالمدينة.
ويتوسط الجدار الشرقي للمسجد محراب للصلاة نصف دائري، ومنبر خشبي لإلقاء الخطب، وفي الباحة الخارجية للجامع مكان مخصص للوضوء، وبيت متهاو كان يخصص لغسل الموتى، وتوجد بجانب الجامع قطع حجرية منقوشة بأسماء بعض الموتى.
أحياء أثرية مهددة بالاندثار
ويقول سكان المدينة إن الأحياء الأثرية المحيطة بالجامع العتيق في مدينة شنقيط التاريخية، تعاني من مخاطر الاندثار بعد هجر السكان لها وتهاوي الكثير من مبانيها، لتصبح أحياء خربة مهددة بمزيد من العزلة عن باقي أحياء المدينة.
وحسب بعض المؤرخين، فإن مدينة شنقيط الواقعة بالشمال الموريتاني بنيت عام 777م، وعاشت قروناً ثم اندثرت لتنهض على أنقاضها المدينة الحالية، بما تحويه من كنوز وتراث ثقافي يحكي حقبة من تاريخ هذا البلد العربي الإفريقي.
وزار الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز قبل أيام المسجد العتيق في شنقيط، وأدى صلاة العصر هناك.
ويقام حالياً في مدينة شنقيط التاريخ، مهرجان يستمر أسبوعاً كاملاً بهدف الحفاظ على التراث المادي في المدينة، سيتم خلاله تقديم العديد من الندوات والمحاضرات، التي تتحدث عن دور مدينة شنقيط في نشر العلوم الإسلامية في ربوع القارة الإفريقية، وعن وسائل حماية هذا الموروث التاريخي.