في وقت يدور فيه الجدل حول من يمثل
المعارضة السورية في
الحوار السوري- السوري، الذي دعت له موسكو، فإنه لا يهتم أحد بسؤال يبدو أكثر تعقيدا، حول أهلية
النظام السوري للجلوس على طاولة حوار.
يقول المنطق إن "من أحضر العفريت عليه أن يصرفه"، ولكن ممارسات النظام السوري منذ اندلاع
الثورة ضده قبل أربع سنوات، تؤكد أنه لا يسعى لصرف العفريت، بل إنه يبدو حريصا على تثبيت أقدامه في الأرض، لتعقيد الأزمة وليس حلها.
ففي الوقت الذي تدعو فيه موسكو لحوار من 26 إلى 28 كانون الثاني/ يناير الجاري، فإن من المفترض أنه سيعقد تحت عنوان "البحث عن حل سياسي للأزمة"، ولا يزل النظام السوري مصرا على أسلوبه القمعي الذي عقّد الأزمة منذ بدايتها.
وأعلن المرصد السوري لحقوق الإنسان الأربعاء، أن طيران النظام السوري ألقى عددا من البراميل المتفجرة على مناطق بريف حماة الشمالي (وسط البلاد)، فيما تعرضت مناطق في درعا (جنوبا) لقصف من القوات النظامية، وهو نفس الأسلوب الذي واجه به النظام المظاهرات المناوئة له في مهدها، فحولها إلى ثورة شعبية، ثم بالغ في استخدام القوة، فدفع التنظيمات المتطرفة لدخول الأراضي السورية.
وفي وقت سابق، عبر زيد بن رعد، المفوض السامي لحقوق الإنسان عن هذا المعنى، وقال في افتتاح المنتدى الدولي الأول لحقوق الإنسان بالعالم العربي في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، إن "انتشار الممارسات الإرهابية في المنطقة العربية، سببه اتباع سياسات قمعية، خلّفت بيئة سمحت لظهور التكفيريين من أمثال "داعش"، على حد قوله، مُشددًا على ضرورة "مساءلة الحكومات عما ترتكبه من انتهاكات، ومحاسبتها على توزيع الثروات والموارد على نحو غير متكافئ".
ووفقا للمعطيات السابقة، فإن النظام السوري لم يعد جزءا من الحل، بل صار هو الأزمة ذاتها، وليس من المتوقع أن يبدي مرونة تجاه الحل.
في المقابل، فإن المعارضة تبدو منقسمة على نفسها حيال المشاركة في مؤتمر موسكو، فالائتلاف السوري (المظلة السياسية الأكبر للمعارضة السورية) ترفض المشاركة في المؤتمر.
وقال بسام الملك عضو الائتلاف السوري، إنهم "يرفضون توجيه موسكو الدعوة لشخصيات من المعارضة بشكل منفرد لحضور الاجتماع، وليس من خلال مظلة الائتلاف".
وتحدث رئيس الائتلاف الجديد خالد خوجة عن سبب آخر، ولم تتطرق تصريحاته حول اجتماع موسكو إلى آلية توجيه الدعوة، لكنه قال في مؤتمر صحفي بعد ساعات من انتخابه، الاثنين الماضي: "بحسب ما تدعو إليه موسكو، فالمطلوب هو حوار مع النظام، وهذا غير وارد بالنسبة إلينا".
وأضاف: "لا يمكن الجلوس مع النظام على طاولة واحدة سوى في إطار عملية تفاوضية تحقق انتقالاً سلميا للسلطة وتشكيلاً لهيئة انتقالية بصلاحيات كالملة".
ويميل جانب آخر من المعارضة، ممن لا يتبعون الائتلاف، إلى المشاركة في الاجتماع، ويؤمن هؤلاء ومن بينهم معاذ الخطيب الرئيس الأسبق للائتلاف وعضو مجموعة "
سوريا الوطن" التي أعلن عن تشكيلها مؤخرا، بأن التفاوض السياسي هو الحل لحقن الدماء وإيقاف الخراب.
وبين هؤلاء وهؤلاء معارضة تصف نفسها بأنها فاعلة على الأرض، ولن تقبل بما يصل إليه المجتمعون، طالما أنه لا يحقق الأهداف التي ثارت من أجلها. ويؤمن هؤلاء ومنهم مجلس قيادة الثورة السورية الذي أعلن عن تشكيله - مؤخرا أيضا - بأن "الرصاص أصدق إنباء من المفاوضات"، ويطالبون بدعمهم عسكريا لإسقاط النظام السوري ومن ثم حل الأزمة السورية.
ويؤمن هؤلاء كذلك بأن موسكو جزء من الأزمة بدعمها المستمر للأسد منذ بداية الأزمة، ومن ثم فإنها لا يمكن أن تكون وسيطا نزيها في الحل.
وعلى ذلك، فإن الحوار الذي دعت له موسكو بين المعارضة والنظام السوري خلال الفترة من 26 إلى 28 يناير، يبدو وكأنه حوار بين "من لا يملك" لأنه غير موجود أو فاعل على الأرض، وبين "من لا يستحق" لأنه صنع الأزمة، ولا يمكن أن يكون طرفا في حلها.
ويصبح الوصف الأمثل لهذا الاجتماع أنه "حفلة تهريج"، وهو المصطلح الذي استخدمه عضو الائتلاف السوري لؤي مقداد في تصريحات صحفية، اعتراضا على الطريقة التي تم بها توجيه الدعوات لحضور الاجتماع.
لكن استعارة هذا الوصف تبدو مناسبة لهذا الاجتماع انطلاقا من أنه يدعو لحوار بين "من لا يملك" و"من لا يستحق"، برعاية أحد صانعي الأزمة.