رئيس الجمهورية التركي رجب طيب
أردوغان خلال حملته للانتخابات الرئاسية أعلن أنه لن يكون مثل الرؤساء السابقين بل سيستخدم جميع صلاحيات رئيس الجمهورية المنصوص عليها في الدستور، في إشارة إلى صلاحية الدعوة لعقد اجتماع مجلس الوزراء برئاسته متى رآى حاجة لذلك. واستخدام أردوغان هذه الصلاحية بشكل مكثف يعني التحول الفعلي من النظام البرلماني إلى النظام شبه الرئاسي كأمر واقع دون إجراء أي تعديل في الدستور.
وفي أول خطوة بهذا الاتجاه، صرح أردوغان أنه سيترأس اجتماع مجلس الوزراء في 19 يناير / كانون الثاني 2015 في القصر الرئاسي الجديد. وسيكون هذا الاجتماع أول اجتماع لمجلس الوزراء برئاسة أردوغان منذ توليه رئاسة الجمهورية في نهاية آب / أغسطس الماضي، ولا شك في أنه لن يكون الأخير.
وكالة الأناضول نشرت إحصائية عن عدد الاجتماعات التي ترأسها الرؤساء السابقون، وذكرت أن مجلس الوزراء اجتمع برئاسة تورغوت أوزال سبع مرات وبرئاسة كنعان إفرين أربع مرات وبرئاسة كلٍّ من جمال غورسل وفخري كوروتورك وسليمان دميرل مرتين. وأما أحمد نجدت سيزر وعبد الله غول فلم يستخدما هذه الصلاحية ولو مرة واحدة. ومن المتوقع أن يسبق أردوغان هؤلاء الرؤساء ليحتل المرتبة الأولى في هذه القائمة.
هذه الخطوة لم تكن مفاجئة للمتابعين للشأن التركي عن كثب، بل كانت خطوة متوقعة، لأن أردوغان وعد بها خلال حملته الانتخابية وشدد مراراً وتكراراً على أنه سيستخدم جميع صلاحياته، وهي من ضمن الصلاحيات التي منحها الدستور التركي لرئيس الجمهورية. وعلى الرغم من ذلك فإن المعارضة ترفضها وتراها كأنها تدخل في شؤون الحكومة وخرق للدستور، إلا أن أردوغان يرفض تلك الانتقادات الموجهة إليه بشأن رغبته في دعوة مجلس الوزراء للاجتماع برئاسته بين الفينة والأخرى ويعتبرها محاولة لفرض وصاية على رئاسة الجمهورية ويذكِّر المنتقدين أن رئيس الجمهورية هو "رأس الدولة".
القصر الرئاسي الجديد سيشهد في التاسع عشر من أول شهر العام الميلادي الجديد تدشين مرحلة جديدة في
تركيا، وإن كانت هناك أصوات معترضة تثير ضجة في الوقت الراهن فإن الرأي العام التركي سيتعود على هذا الأسلوب الجديد في إدارة الدولة، كما تعود قبل ذلك على حجاب السيدة الأولى، ليصبح النقاش حوله صفحة من صفحات التاريخ.
هناك تنسيق بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء لعقد اجتماع مجلس الوزراء برئاسة رئيس الجمهورية وأكَّد نائب رئيس الوزراء والناطق باسم الحكومة بولنت أرينتش أن الحكومة ترى اجتماع مجلس الوزراء برئاسة أردوغان مناسبا وتأمل أن تستفيد من هذا الاجتماع. ومن المتوقع أن تكون هناك محاولات لإثارة الفتنة بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء بحجة أن الأولى تتدخل في شؤون الأخيرة، إلا أن طبيعة العلاقات الوثيقة بين أردوغان وداود أوغلو كفيلة بإفشال هذه المحاولات.
تركيا تتطلع إلى إنجاز مشاريع ضخمة قبل حلول الذكرى المائة لتأسيس الجمهورية في عام 2023، وللوصول إلى هذا الهدف بحاجة إلى التنسيق والتناغم بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء ومؤسسات الدولة. وهذا التناغم بين أردوغان وداود أوغلو حاليا في أعلى مستوياته، لأنهما يحملان الرؤية نفسها حول مستقبل تركيا، ومما لا شك فيه أن وقوف رئيس الجمهورية المنتخب إلى جانب رئيس الوزراء سيعطي سياسات الحكومة وقراراتها قوة إضافية، ولضمان استمرارية هذا التنسيق وهذا التناغم بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء وهذه المرحلة التي سيدشنها أردوغان في 19 يناير / كانون الثاني 2015 فلا بد من فوز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات البرلمانية القادمة التي من المقرر إجراؤها في منتصف العام الجديد بأغلبية تمكنه من تشكيل الحكومة وحده، وهو ما تشير إليه استطلاعات الرأي حاليا، لأن فوز حزب آخر في الانتخابات البرلمانية وتولي زعيمه رئاسة الوزراء سيعني - بكل بساطة - نهاية المرحلة الجديدة والعودة إلى الوراء.
* كاتب تركي