دعا
صندوق النقد الدولي دول
الخليج إلى ضبط حوافز العمال والشركات لتشجيعهم على العمل والإنتاج في القطاع غير
النفطي إذا أرادات النجاح في تنويع اقتصاداتها، وخاصة بعد تراجع
أسعار النفط بنسبة 40 بالمئة، منذ حزيران/ يونيو الماضي.
ولم تنجح وفرة التدفقات النفطية على مدار عقود، في بناء
اقتصاد قوي بدول الخليج العربي، فمع كل مرة تنخفض فيها أسعار النفط تبدأ دوامة من المشكلات تحيط باقتصاديات دول الخليج، من عجز بالموازنات العامة، وتراجع في الإنفاق، يتبعه إما تأجيل لمشروعات عامة كان يعتزم تنفيذها، أو تأخير في تنفيذ مشروعات قائمة.
وقال الصندوق، في تقرير له السبت، إنه "في حين أحرزت الحكومات في منطقة الخليج بعض التقدم نحو التنويع الاقتصادي في السنوات الأخيرة، لا يزال الأمر يتطلب بذل الكثير من الجهد"، مضيفا "لإحراز تقدم كبير نحو تقليل الاعتماد على النفط، تحتاج حكومات دول الخليج لتغيير هيكل الاقتصاد لتشجيع الأفراد على العمل في القطاع الخاص، وتحفيز الشركات على النظر فيما وراء الأسواق المحلية، للبحث عن فرص جديدة للتصدير".
مطلوب نموذج جديد
ويعتمد النمو في دول الخليج على النفط مصدرًا رئيسيًا للتصدير والإيرادات المالية، ما أدى إلى وجود تداعيات اقتصادية واجتماعية قوية.
فعلى مر السنين، رفعت دول الخليج عدد العاملين في القطاع العام والإنفاق على البنية التحتية والصحة والتعليم، ما أدى إلى ارتفاع مستويات المعيشة ودعم نشاط القطاع الخاص، لا سيما في قطاعات البناء والتجارة والتجزئة والنقل والمطاعم.
وقال تقرير صندوق النقد إن "نموذج النمو الحالي يعاني من الضعف"، مشددا على أن من شأن زيادة تنويع الاقتصاد تقليل التعرض للتقلبات في سوق النفط العالمي، ويساعد في خلق وظائف بالقطاع الخاص، وتأسيس الاقتصاد غير النفطي المطلوب في المستقبل عندما تجف عائدات النفط.
ويورد التقرير نماذج لتنويع الاقتصاد في عدة دول عبر وسائل، منها ضخ استثمارات في القطاعات الصناعية ذات الإنتاجية العالية، حتى في حال عدم وجود ميزة نسبية، وأظهرت التجربة الأولى في ماليزيا، والمكسيك، وإندونيسيا، أن إحلال الواردات أو الاعتماد على الصناعات ذات العمالة الكثيفة دفعا الشركات غير الفعالة ذات نطاق محدود إلى تحقيق أرباح وزيادة الإنتاجية.
وأدى تغيير الشركات في تلك الدول لنهجها رغم الانطلاق من قاعدة تكنولوجية منخفضة، إلى تطوير الدول لصادراتها من خلال التركيز على قطاعات تصنيع ورفع مستوى التكنولوجيا.
وتستخدم شيلي دعم الصادرات والشراكات بين القطاعين العام والخاص لإنشاء شركات جديدة، ورفع مستوى المهارات التقنية في قطاعات محددة.
وذكر التقرير نموذجا باستخدام رأس المال الأجنبي لتعزيز نقل التكنولوجيا، أحد وسائل تنويع الاقتصاد، ففي الثمانينيات، اجتذبت أندونيسيا رأس المال الأجنبي من خلال إنشاء مناطق التجارة الحرة، وتوفير الحوافز الضريبية، وتخفيف القيود الجمركية والحواجز غير الجمركية، في حين نفذت ماليزيا والمكسيك سياسات مماثلة، ففي المكسيك، لعب الانضمام إلى اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية دورا هاما في جذب الاستثمار الأجنبي المباشر الذي سهل تطوير قطاع السيارات.
ومن بين وسائل تنويع الاقتصاد، استخدام دعم الصادرات، والحوافز الضريبية، والحصول على التمويل لتسهيل تحمل رجال الأعمال المخاطرة، وخاصة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم.
ويلعب ضخ استثمارات في مجال التدريب لضمان توافر العمال ذوي المهارات العالية دورا مهما في تنويع مصادر الاقتصاد، فإقامة صناعات تتطلب رأس المال والمهارات البشرية ذات الصلة لهذا القطاع، إلى جانب البنية التحتية اللازمة والمرافق الصناعية. وعلى سبيل المثال، ركزت ماليزيا والمكسيك على التدريب لرفع مهارات العمال، ومولت عمليات حصول العمال على تدريب في الخارج، ومع مرور الوقت، أتت الاستثمارات المدفوعة في التدريب أكلها في بناء قوة عمل عالية المهارة.
ويقدم تقرير الصندوق دروسا لدول الخليج، موضحا أن مزيدا من التنويع الاقتصادي يتطلب إعادة تنظيم الحوافز الحالية التي تقدم للشركات والعمال.
وركزت سياسات دعم التنويع على تأمين بيئة اقتصادية مستقرة، وتحسين مناخ الأعمال، والاستثمار في البنية التحتية والتعليم، وهذه كلها خطوات مهمة في الاتجاه الصحيح، وحققت قدرا من تنويع الناتج المحلي الإجمالي، لكنها لم تعالج تأثير توزيع عائدات النفط على الحوافز.
فالأجور العالية والمزايا السخية تشجع المواطنين في دول الخليج للبحث عن عمل في القطاع العام عوضا عن الخاص، في حين أن الإنفاق الحكومي المرتفع في بيئة محلية محمية نسبيا يشجع الشركات على إنتاج السلع والخدمات غير القابلة للتداول، وعلى الرغم من بعض التقدم، لم تحقق هذه السياسات الكثير من التنويع في الصادرات الخليجية، التي لا تزال في معظمها النفط.
ويشدد الصندوق أن اتخاذ تدابير لتغيير الحوافز مهمة لتحفيز التنويع الاقتصادي في دول الخليج، التي يتعين أن تشمل الابتعاد عن استخدام القطاع العام باعتباره رب العمل الأول والأخير، وضمان أن تزود نظم التعليم والتدريب العاملين بالمهارات اللازمة للعمل في القطاع الخاص، وتطوير شبكات الأمان الاجتماعي لتكون أكثر قوة لضمان الحد الأدنى من مستويات الدخل ودعم أنشطة البحث عن عمل. كما ينبغي اتخاذ تدابير لمعالجة نقص المنافسة في بعض الأسواق المحلية بالخليج، والحد من الحوافز للإنتاج المنخفض وتشجيع الصادرات.