تتوالى الأخبار عن
المصالحة القطرية-
المصرية التي ترعاها السعودية هذه الأيام. فبعد لقاء، هو الأول من نوعه منذ وصول عبدالفتاح
السيسي للسلطة، التقى الأخير بالمبعوث القطري الخاص في القاهرة ليعلن عن بدء إجراءات المصالحة بين الجانبين.
وما إن حط المبعوث القطري رحاله في الدوحة حتى أعلنت شبكة الجزيرة القطرية وقف بثها لقناة الجزيرة مباشر مصر، التي كانت مخصصة للشأن المصري، الحاضر الغائب في هذا المشهد هي جماعة
الإخوان المسلمين في مصر. فبسبب دعم قطر لها قبل وبعد انقلاب 3 يونيو في مصر، خاضت قطر مواجهة دبلوماسية وإعلامية مفتوحة مع النظام المصري الجديد المدعوم من دول الخليج الرئيسية السعودية والإمارات. الأمر الذي وسع مساحة الخلافات الخليجية مع قطر وعمقها، لتصل لدرجة القطيعة الدبلوماسية والحملات الإعلامية المضادة. لم تجد قطر في هذا المشهد من داعم سوى تركيا التي رفضت الانقلاب، وأصرت على مهاجمته في المحافل الدولية.
ولتوسيع الصورة لتشمل الموقف من ثورات "الربيع العربي"، فقد أخذت المنطقة شكلا جديدا استنادا لمواقف الدول من التغيرات الجديدة التي طرأت في المنطقة بعد الثورات. فبدت قطر وتركيا داعمتين لقوى التغيير في مقابل تحفظ من دول الخليج والأردن لهذه التغييرات. بينما تخوض إيران وسوريا معركة مفصلية في سوريا.
راهنت قطر على قوى الثورة في معظم ساحات التغيير، وعلى رأس هذه القوى كان الإخوان الذين استطاعوا أن يصلوا إلى السلطة في عدة دول. لكن عدم مقدرة الإخوان على البقاء في السلطة في مصر وتونس واليمن وليبيا، شكل تحديا حقيقيا لقطر التي راهنت عليهم. وبعد سقوط مرسي وعدم مقدرة قوى الثورة على كسر الانقلاب أو عرقلته، زاد الموقف صعوبة على قطر التي تواجه ضغطا خليجيا غير مسبوق؛ فقطر في نهاية المطاف دولة صغيرة في وسط منظومة إقليمية (خليجية) محاطه بمنظومة عربية واجهت موجة التغيير بقوة وحزم، واستطاعت أن تكسرها.
"ساعدني كي أساعدك"، تلخص هذه العبارة القول القطري اليوم للإخوان، الذين خاضوا مواجهة شرسة في مصر امتدت لثلاث سنوات منذ وصول مرسي للسلطة في 2012. وعلى ما بدا، ورغم قوة الحضور الشعبي للإخوان في بداية مسيرة التغيير في دول الربيع العربي، لم يتمكن الإخوان من إدارة الموقف بما يمكن لهم بقاء في السلطة أو حتى ضمان مساحة للحرية.
فبعد عام ونصف من الانقلاب في مصر، لم يستطع الإخوان أن يوقفوا عجلة العسكر التي جاءت على كل معالم ثورة التغيير، وأودت بالحرية إلى أسفل سافلين، وأعادت للصورة مشهدا كان من المتوقع أن يصبح من التاريخ، إنه حكم العسكر. وفي ظل ذلك، يتعرض الإخوان اليوم لمنعطف مفصلي، وقد يكون وجوديا في تاريخهم. حيث يتزاحم فيه فشلهم في البقاء في السطلة والمحافظة على الثورة، مع ضربات لبنيتهم وتغييب لقياداتهم، والأهم من ذلك عشرات الأسئلة الفكرية المتعلقة بالغاية والوسيلة التي تطرح يوميا عليهم، بل بينهم أيضا.
لقد جاءت المصالحة القطرية المصرية الأخيرة، وقد لا تكون الأخيرة إذا ما تبعتها واحدة تركية أخرى، لتضع الإخوان أمام حقيقة المشهد بوضوح أكثر. ليعيدوا تقييم التجربة بكل ما حوت والاستعداد لخيارات قد لا تكون سهلة. وعلى ما يبدو أن الإخوان سيكونون أكثر الخاسرين بعد التطورات الأخيرة، وسيخسرون الكثير من المساحات التي كانت ممنوحة لهم من قبل.
الإخوان، رغم موقفهم التاريخي المشرف بوقوفهم مع ثورات التحرر ووجودهم في طليعتها، إلا أنهم في الوقت ذاته لم يمكنوا حلفاءهم الإقليميين من مواصلة دعمهم؛ لأن الدول، وباختصار، تفكر دوما بمصالحها وتستثمر مع من يؤمن لها ذلك. ولعل الدرس الأبرز والأهم فيما يحدث أنه لا يوجد ثابت في السياسة.
وأن اللغة التي يتداولها السياسيون هي لغة المصالح، وأن على الإخوان أن يدركوا هذه الحقيقة، التحالف والتمحور يعني أنك قادر على تقديم شيء لحلفائك وشركائك، لا يمكنك أن تتلقى الدعم فقط، فعندها إما أن تكون تابعا وليس حليفا أو أنك تترك وحيدا. إن بقاءك في الميدان قرابة العامين دون إنجاز يدفع الجميع بلا شك للتساؤل حول ثقلك السياسي ومستقبلك.
لا أظن أن قطر أو غيرها قادرة على مواجهة كل هذه الضغوطات في منطقة هشة كمنطقتنا، تتعرض لعملية فك وتركيب جديدة، لا يتعلق الأمر هنا بمستقبل الإخوان فقط، إنما بمستقبل المنطقة كلها. لقد كان الدرس قاسيا، ولكن نأمل أن يكون مفيدًا أيضا. إن مستقبل الإخوان اليوم مرهون بالدرجة الأولى بقدرتهم على قراءة المشهد بشكل دقيق يمكنهم من مواجهة التحديات التي يمرون بها.