تتقدم
تونس بخطى وجلة للجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية وفي ما تشير معطيات واستطلاعات إلى انقلاب الريح لصالح المرشح محمد المنصف
المرزوقي وهو انقلاب تؤكده حالة الاضطراب في معسكر المنافس يصرح أحد دهاقنة اليسار التونسي وأعمدة الدفاع عن حقوق الإنسان منذ زمن طويل (الطيب البكوش) بأن
الربيع العربي كذبة لا يصدقها أحد. فيلتقي بذلك مع كل عتاة
الثورة المضادة القائمة ضد هذه الثورة السلمية التي رجَّت الوطن من أقصاه إلى أقصاه وأطلقت موجة من الأمل في الحرية والكرامة ورد الاعتبار لأمة مضطهدة.
الربيع العربي حقيقة قائمة.
لسنا نحتاج إلى إعادة سرد الوقائع الدالة على أن الربيع العربي كان حاجة حقيقية عبرت من خلالها الشعوب العربية على حاجتها إلى الحرية ورد الاعتبار ضمن أمم الأرض فقد كتب في هذا الكثير منذ شتاء 2011 وهناك أدبيات تتراكم وتتطور في هذا الصدد. ولكن نشير فقط إلى أن من يعادي هذه الموجة من الرجعيات العربية المتكلسة هي من يعادي هذه الموجة ويبذل الغالي والنفيس ويوظف كل الإمكانيات لطمسها قبل أن تصل إلى مداها التحرري الشامل. بما وضَّح الصورة الحقيقة فهناك ثورة عربية وثورة مضادة عربية تقودها أنظمة النفط وتضع كل ثقلها لإحباطها وإفراغها من مضمونها التحرري مصورة إياها كمؤامرة لخدمة الإسلام السياسي الخياني.
بدأت هذه
الثورة المضادة بالتدخل العسكري السعودي في البحرين بموافقة أمريكية لا شك فيها وكان حجة مقاومة التشيع حينها حجَّة مغشوشة انطلت على الكثيرين لكن استمرار التدخل السعودي الإماراتي ما انفك يتقدم حتى أسقط التجربة الديمقراطية الوليدة في مصر وأعاد نظام مبارك بكل أوزاره على كاهل الشعب المصري فضلا عن تخريب الثورة السورية بعسكرتها وإدخال كل القوى الدولية فيها بحجة مقاومة الإرهاب الإسلامي والذي لا يخفى على أحد أنه مموَّل سعوديا وموجّه مخابراتيا لتخريب الوضع هناك وما يقال عن الثورة السورية يقال عن الثورة اليمنية والليبية من حيث فظاعة المؤامرة السعودية على المنطقة بكل تفاصيلها. والمضحك المبكي أن التدخل في البحرين كانت بحج مقاومة التشيع بينما كان في اليمن بالاستعانة بالشيعة الحوثية أنفسهم بما يجعل الأهم في التدخل هو مقاومة هذا النفس التحرري الشامل والمهدد لهذه الأنظمة الميتة سريريا مهما كانت الحجة والوسيلة.
الثورة التونسية المربع الأخير
المعاينة الواقعية تكشف أن بلدان الربيع العربي تنصر فيها حتى اللحظة الثورة المضادة وتعيد تنصيب الأنظمة المخلوعة وتدعمها بالمال والسلاح وتمكن لها على حساب النفس الثوري. وقد كان لتبرئة مبارك من قبل القضاء المصري المخترق والفاسد أثر الضربة القاتلة للثورة المصرية. أما الثورة الليبية فلا تزال توغل في الدم ولا يبدو في أفقها القريب حل جذري فطيران الإمارات يتكفل بالتغطية الجوية والتخريب بما يجعل حفتر على الأرض يتوسع كبقعة الزيت الفاسدة على الخريطة الليبية.
ويمسك الإرهابيون المتأسلمون بورقة مهمة، هي ورقة الترهيب التي تزود طاحونة التخويف الدعائي المضاد بماء كثير لإرباك كل نفس تصعيدي في هذه البلدان فإزاء كل دعوة لتجذير الثورة في بؤرها القطرية يقدم احتمال الدعوشة الكامنة بما يجعل الثوريين يرتبكون أمام احتمال الفوضى ويراجعون خطط التصعيد ويقبلون بحلول وسطى تصب في خانة التمكين لثورة المضادة بما يكشف الدور الفعلي لهذه التيارات الأصولية الموجهة مخابراتيا.
بحيث يؤخذ الربيع العربي من كل جانب ويخترق من الداخل خاصة انه لم يتمكن في الوقت المناسب من كسر آلة الإعلام الجهنمية التي صنَّعتها الأنظمة المخلوعة بما جعل تيار التحرر في وضع دفاع أبدي في مواجهة آلة مختصة في صناعة الإشاعة والأراجيف اليومية.
في هذه الظلماء تظهر تونس كنقطة ضوء ويظهر مرشح الشارع الفقير كتركيز حقيقي لنقطة الضوء الأخيرة وعلى ضوئها يتقدم الربيع العربي بخطاه الواثقة ولكن بعسر شديد. فهل يكتب لهذه البؤرة أن تتوسع وتضيء أبعد من تونس وأبعد من المرحلة ليهتدي بها المغلوبون على أمرهم في خريطة مشتاقة للحرية والكرامة؟
هناك أمل وهذا ما يتردد على ألسنة المناصرين للدكتور محمد المنصف المرزوقي الذي صار مرشح الثورة والشعب والربيع العربي والحامل الأخير لهذا الأمل. حركة التفاف وساعة حول شخصه ومشروعه وهو الوحيد الذي يقدم مشروعا سياسيا يقوم على الحرية والديمقراطية في مواجهة نظام فاسد لا يختلف في شيء عن بقية الأنظمة الممولة للردة العربية.
هذا الأمل يتوسع كل يوم رغم آلة تصنيع الأراجيف التي تعمل ضده 24 ساعة على 24 وهو يواجهها بصدر عار أي بلا آلة إعلامية محترفة من أي نوع سوي بعض الأصوات في الافتراضي.
وما يجعل هذا الأمل ممكنا ان العمل الافتراضي على ضعفه وفقره قد أعاد تأليف الشبكات الثورية التي تلاقت في سنة 201 و2011 لدعم الحراك الثوري وتجسيده على الأرض في كل المناطق المفقرة التي أملت خيرا في الثورة وأمنت بها ورغم ما تعرضت له هذه الشبكات من تفكيك واختراق بالمال والكيد المخابراتي الداخلي والخارجي ورغم الخيبة التي نجمت عن الفشل السياسي لمن تقدم لقيادة المرحلة الانتقالية إلا أن موجة من النقد الذاتي قد بدأت تتجسد في الخطاب والممارسة وبدأت بعض الأحزاب والجماعات السياسية الصغيرة تقف على حقيقة مهمة وهي أن العمل الفردي والحزبي بحجم ضئيل غير مسلح بالعدد يؤدي إلى كارثة وقد كشفت الانتخابات التشريعية فعلا أن تشظي الصف الثوري قد أودى به إلى تهلكة حقيقية فعاد الكثير إلى جادة النقاش والبحث عن التحالفات ويبدو المرزوقي هنا أكثر من مرشح لمنصب بل مرشح لقيادة خط ثوري يؤلف ولا يفرق ولهذا فإن الأمل يعقد من جديد لتوسع بؤرة الضوء عبر دعم مرشح الربيع العربي المؤمن به فعلا والمتفائل بشكل غير قابل للضبط كما يقول عزمي بشارة.
والاحتماء بمؤسسة الرئاسة ثم الكر على النظام القديم بواسطة المؤسسات المنتخبة ديمقراطيا وفي أسوء الاحتمالات توليف الشارع الثوري في بناء تنظيمي محكم يقود الموجة العائدة من فوضى المرحلة الانتقالية إلى انتظام حقيقي بقيادة واعية بمشروع الحريات والديمقراطية وهنا ندخل الدقيقة تسعين في الربيع العربي فإما تسجيل هدف يفتح على مقابلة عودة أو ترسخ القناعة الضرورة بأنه لا يمكن قيادة ثورة بدون قيادة ثورية ومشروع ثوري وفي الحالتين ستتوسع بؤرة الضوء لتنير الطريق فالثورة مسار وليست نقطة.
وهذه الانتخابات ومهما كانت نتيجتها خطوة مهمة ستعطي الأمل لخميرة ثورية لم تبرد وإن أصِمَّت على رأسها لتفيق على ضرورة توحيد الصفوف الوطنية والكر بقوة أكبر وببرنامج حريات حقيقي. وهو مشروع المنصف المرزوقي وأنصاره في تونس الملزم أخلاقيا بإعادة بعث الأمل في نفوس وجلة وذلك هدف الدقيقة التسعين.