لعل المذابح الممنهجة التي ارتكبها "تنظيم الدولة" في حق مئات من أفراد عشيرة البونمر كانت إنذارا لا تخطئه عين وتنبيها في بلد قد لا يمكنه تحقيق الاستقرار بدون مساندة على الأمد الطويل من العشائر السنية.
ولكن بعد مرور قرابة شهر على ملاحقة مجموعات من أفراد العشيرة وإعدامهم، يبدو إن حكومة بغداد لا تفعل شيئا يذكر لاستيعاب
السنة في أي تحرك تشتد الحاجة إليه من أجل الوحدة.
كانت عشيرة البونمر واحدة من العشائر السنية التي ساعدت مشاة البحرية الأمريكية على هزيمة القاعدة في محافظة الأنبار الواسعة بغرب
العراق خلال حملة عامي 2006 و2007 وهي استراتيجية تأمل واشنطن أن يكررها العراق الآن لهزيمة تنظيم الدولة الإسلامية.
وتشير ماكينة الدعاية الرسمية النشطة في العراق إلى أن الحكومة التي يقودها
الشيعة وحتى حلفاؤها من الميليشيات الذين لا يجدون ودا بين أفراد العشائر السنية، بدأوا يتحركون في هذا الاتجاه.
ولكن لم تظهر علامات حقيقية تذكر على الزخم اللازم لدفن الخلافات الطائفية وإنشاء جبهة موحدة لمكافحة "تنظيم الدولة" في محافظة الأنبار التي تزايدت سيطرة التنظيم فيها باطراد خلال عام 2014 إلى الحد الذي جعل مسؤولين عسكريين أمريكيين كبارا الشهر الماضي يصفون الوضع هناك بأنه مشحون.
وقال صباح الكرحوت رئيس مجلس محافظة الأنبار موطن عشيرة البونمر إنه توجد أعداد من المقاتلين تكفي للتغلب على التنظيم لكنهم يحتاجون إلى أسلحة وذخائر فعالة من بغداد.
وقال "إذا لم تستطع الحكومة تزويدنا بالدعم العسكري قريبا فسوف نلجأ إلى خيارات أخرى منها طلب المساعدة البرية من
التحالف الدولي".
وكان بعض زعماء العشائر أقروا بأن الأسلحة التي تقدمها الحكومة سقطت من قبل في أيدي أنصار "تنظيم الدولة".
وفي مطلع الأسبوع أرسلت واشنطن رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال مارتن ديمبسي إلى العراق حيث بدأت قوات أمريكية تقديم المشورة للقوات العراقية في الأنبار.
وكان ديمبسي يزور العراق للمرة الأولى منذ رد الرئيس الأمريكي باراك أوباما على المكاسب التي حققها "تنظيم الدولة" هذا الصيف بأمره بعودة قوات إلى البلد الذي انسحب منه الأمريكيون في عام 2011.
وقال ديمبسي للقوات الأمريكية إن مد الأحداث "بدأ يتغير" لكنه تنبأ بحملة طويلة على مقاتلي "تنظيم الدولة" الذين يسيطرون على مساحات واسعة من العراق وسوريا.
ويحاصر هؤلاء المقاتلون حاليا القاعدة الجوية العراقية ذات الأهمية الاستراتيجية، عين الأسد.
وقال أحد زعماء عشيرة البونمر إنه تم تجهيز نحو 3000 مقاتل وانهم مستعدون للانضمام إلى القوات العراقية في قاعدة عين الأسد، لكن قوات الأمن لم تسمح إلا لنحو 100 من أفراد العشيرة منهم بالتجمع هناك.
وقال الشيخ نعيم الكعود انه اقترح على القوات العراقية أن تسلح 500 على الأقل وبعد أن تتولد ثقة متبادلة سيكون بالإمكان الزحف بأعداد أكبر. وأضاف قوله إن محاولته التوفيق بين الجانبين ذهبت سدى وان رجال العشيرة القلائل الذين سمح لهم بدخول القاعدة لم يتم تزويدهم بالذخيرة.
وهذه الشكوك ومشاعر عدم الثقة تتردد في الجانبين، فقبل وصول الجنرال ديمبسي بنحو أسبوعين ترددت شائعات بأن مقاتلين شيعة تدعمهم إيران يتأهبون لمساعدة عشيرة البونمر لكن رئيس مجلس الأنبار الكرحوت شبه مقاتلي الميليشيات الشيعية بمقاتلي "تنظيم الدولة" وقال إنه لن يعمل معهم.
وقال الكرحوت "إننا نرفض رفضا قاطعا وجود الميليشيات في الأنبار.. إننا نحتاج إلى وجود أناس من الجنوب والوسط والشمال كقوات داخل الجيش والشرطة". وفي وقت لاحق قال إنه سيرحب بهم.
وتشكو أجزاء أخرى من العراق أيضا أن حكومة بغداد يجب عليها القيام بالمزيد للتواصل معهم.
ومن الأمور التي تزيد من تعقيد محاولات توحيد العراق لمكافحة "تنظيم الدولة" العلاقات المضطربة بين بغداد وحكومة منطقة كردستان في الشمال.
ويريد الأكراد أيضا الحصول على أسلحة من بغداد لمقاتلة "تنظيم الدولة" لكن القضية طغت عليها التوترات السياسية بسبب الخلافات بشأن مدفوعات بغداد عن صادرات النفط الكردية.
وقال جبار ياور الأمين العام للوزارة المسؤولة عن مقاتلي البشمركة في كردستان الذين عبروا في الآونة الأخيرة الحدود التركية لمساعدة في الدفاع عن مدينة كوباني السورية "من واجبهم أن يرسلوا إلينا أسلحة فنحن جزء من العراق. ونحن ندافع عن المنطقة بوصفها جزءا من البلاد".