لكل أمة هوية حضارية، إليها تنتمي، وبها تتميز عن الأمم والحضارة الأخرى.
وإذا أردنا أن نلخص الهوية الحضارية لأمتنا في عنوان موجز، فإن هذا العنوان لهذه الهوية هو "العروبة والإسلام"، على ذلك اجتمعت فطرة الجماهير عبر
التاريخ الطويل، وعلى ذلك اجتمع المفكرون، مسلمين وغير مسلمين.
وعلى سبيل المثال، فإن مكرم عبيد باشا (1889 – 1961م) يعلن عن عروبة مصر والمصريين - في اللغة والثقافة - وعن إسلامية حضارتهم - بمن فيهم النصارى الأقباط - أي عن هوية الأمة
العربية الإسلامية - بدياناتها المختلفة - فيقول: "المصريون عرب، وتاريخ العرب سلسلة متصلة الحلقات، لا بل شبكة محكمة العقد، ورابطة اللغة والثقافة العربية والتسامح الديني هي الوشائج التي لم تفصمها الحدود الجغرافية، ولم تنل منها الأطماع السياسية منالا، على الرغم من وسائلها التي تتذرع بها إلى قطع العلاقات بين الأقطار العربية، واضطهاد العاملين لتحقيق الوحدة العربية التي لا ريب في أنها أعظم الأركان التي يجب أن تقوم عليها النهضة الحديثة في الشرق العربي، وأبناء العروبة في حاجة إلى أن يؤمنوا بعروبتهم وبما فيها من عناصر قوية استطاعت أن تبني حضارة زاهرة.
نحن عرب، ويجب أن نذكر في هذا العصر دائما أننا عرب، وحّدت بيننا الآلام والآمال، ووثقت روابطنا الكوارث والأشجان، وصهرتنا المظالم وخطوب الزمان، نحن عرب من هذه الناحية، ومن ناحية تاريخ الحضارة العربية في مصر، وامتداد أصلنا السامي القديم إلى الأصل السامي الذي هاجر إلى بلادنا من الجزيرة العربية، فالوحدة العربية حقيقة قائمة موجودة، لكنها في حاجة إلى تنظيم، فتصير كتلة واحدة، وتصير أوطاننا جامعة وطنية واحدة".
هكذا تحدث مكرم عبيد باشا - وهو من أبرز الزعامات القبطية المصرية - عن عروبة الهوية الحضارية للأمة، وتحدث أيضا عن إسلامية هذه الهوية الحضارية بالنسبة لأقباط مصر، فقال: "نحن مسلمون وطنا، ونصارى دينا، اللهم اجعلنا نحن المسلمين لك وللوطن أنصارا، واللهم اجعلنا نحن نصارى لك وللوطن مسلمين".
ومن رجال
الكهنوت الأرثوذكس، تحدث الأنبا موسى - أسقف الشباب بالكنيسة الأرثوذكسية القبطية وعضو المجمع المقدس - عن عروبة الهوية الثقافية والحضارية وإسلاميتها فقال: "من جهة الهوية العربية، نحن مصريون عرقا، لكن الثقافة الإسلامية هي السائدة الآن، كانت الثقافة القبطية هي السائدة قبل دخول الإسلام، وأي قبطي يحمل في الكثير من حديثه تعبيرات إسلامية، يتحدث بها ببساطة، ودون شعور بأنها دخيلة، بل هي جزء من مكوناته، نحن نحيا العربية لأنها هويتنا الثقافية، ومقتنعون بالطبع بأن فكرة العروبة فكرة سياسية واقتصادية وثقافية، بالإضافة لوحدة المصير المشترك، والعلاقة بين الجذور والعروبة علاقة تناصرية، هذه دوائر متداخلية، ومصر دائما دولة مسلمة ومتدينة، ولكن دون تطرف.
ولو عشنا مسلمين وأقباط، وفي إطار الصحوة الدينية المصحوبة بصحوة وطنية، فسيكون المستقبل أكثر من مشرق".
ومن رجال الكهنوت الكاثوليكي، تحدث الأنبا يوحنا قلتة - نائب البطرك الكاثوليكي - عن إسلامية الهوية الحضارية، فقال: "أوافق تماما أن أكون مصريا مسيحيا تحت حضارة إسلامية، أنا مسلم ثقافة مئة بالمئة، أنا عضو في
الحضارة الإسلامية، لقد تعلمت أن النبي صلى الله عليه وسلم سمح لمسيحيي اليمن أن يصلوا صلاة الفصح في مسجد المدينة، فإذا كانت الحضارة الإسلامية بهذه الصورة، فكلنا مسلمون حضارة وثقافة، وإنه ليشرفني وأفخر أنني مسيحي عربي، أعيش في حضارة إسلامية، وفي بلد إسلامي، وأساهم وأبني مع جميع المواطنين هذه الحضارة الرائعة".
تلك شهادات مسيحية على عروبة الحضارة وإسلاميتها، تحتاج إلى أن تلقى عليها الأضواء.