تتعاظم لدى
اليمنيين حالة الشعور بالقلق والترقب حيال سلسلة الأحداث التي تشهدها البلاد، وأهمها استمرار التفويض بالقتل خارج القانون، باسم مكافحة الإرهاب، وسط تبدُّلٍ في المواقف لم يكن متوقعاً من جانب الحوثيين وحزب الرئيس المخلوع علي عبد الله
صالح؛ تجاه حكومة الكفاءات التي تشكلت مؤخراً، بعد انسحاب المؤتمر منها، وتهديد الحوثيين بإفشالها.
ففي حين يبدو أن حكومة السيد خالد محفوظ بحاح قد تجاوزت تحدي التعثر عند عتبة التشكيل لأسباب تتعلق بقوامها من الوزراء الذين أبدى
الحوثيون ملاحظات على وجود بعضهم وطالبوا بتغييرهم، فإن الترقب ما يزال سيد الموقف إزاء إمكانية نجاح الحكومة في تجاوز عقبة الثقة النيابية، وتخلي المليشيا المسلحة عن دور التعطيل والسيطرة على الوزارات والأختام والتحكم بالمعاملات فيها، وهي تحديات ليست بالهينة.
قلق اليمنيين يزداد مع حالة الغموض التي تسيطر على المشهد السياسي، بعد التداعي المفاجئ في نفوذ الرئيس المخلوع، داخلياً وخارجياً بعد إيقاع العقوبات الدولية والأمريكية عليه، إلى جانب ما يبدو أنه انفراط لعقد التحالف الصلب بينه وبين الحوثيين، دون أن يلحظ المرء أسباباً موضوعية لحالة التداعي هذه؛ إن في نفوذ صالح أو في حلفه مع الحوثيين، وعما إذا كانت تخفي موقفاً تكتيكياً يجري تحته التحضير لمفاجأة قد تعصف بالنظام الانتقالي وبالترتيبات السياسية والأمنية التي تشهدها اليمن في الوقت الراهن تحت رعاية ومراقبة المجتمع الدولي.
حالة الغموض تأتي أيضاً من استمرار غياب الجيش والأمن في العاصمة صنعاء، واستمرار العربدة الحوثية في أكثر من مكان، والأخطر من كل ذلك استمرار التفويض الممنوح من السلطة الانتقالية لأسوأ عملية قتل خارج القانون تنفذ بغطاء مفضوح من الدولة وبوحدات من الحرس الجمهوري المنحل الذي يتخفى تحت عباءة المليشيا الحوثية المسلحة، وتُستخدم فيها مختلف أنواع الأسلحة، ويجري إسنادها بقصف من الطيران الأمريكي.
كل ذلك يجري تحديداً في مناطق تماس خطيرة مع قبائل سنية غيورة من الناحية العقائدية، في قرى مديرية قيفة ومحيطها بمنطقة رداع التابعة لمحافظة البيضاء بوسط اليمن، حيث تولَّدتْ عن عملية القتل والتدمير الممنهجتين مأساة يعاني منها مئات السكان، وتزداد معها أعداد القتلى من النساء والأطفال والشيوخ، ويتشرد بسببها المئات من السكان، في ظل إهمال لا يمكن تصوره من جانب الدولة ومؤسساتها ومن جانب المجتمع المدني.
وبالآلية نفسها يحتشد الحوثيون على تخوم محافظة مأرب لتنفيذ مواجهات مسلحة هناك، والعذر الجاهز هو مواجهة أنصار الشريعة، المحسوبين على تنظيم القاعدة، فيما يجري تغطية هذه التحركات من جانب السلطة الانتقالية، بطريقة لم تعد تخفى على أحد.
وبنظرة موسعة على المشهد وبالتحديد في مدينة عدن بجنوب البلاد، التي تشهد تحركات مرتبكة لإنجاز استحقاق الانفصال عن الدولة اليمنية الموحدة. ورغم وجود ما يمكن اعتباره شبه إجماع لدى مواطني المحافظات الجنوبية حول نزعة الانفصال، هذه، إلا أن الأمر لا يخلو من المراوغة السياسية من جانب بعض النخب السياسية الجنوبية، التي تُدرك تماماً أن الأرضية السياسية والاجتماعية ليست مهيأة للانفصال أو لاستعادة الدولة وهو المصطلح السائد في أدبيات الانفصال الجنوبية.
ففي قلب المشهد الجنوبي ما تزال القوى الشمالية المنهكة تملك فرصة للتأثير فيما يحدث في ساحة العروض بمدينة خورمكسر في مدينة عدن، حيث يتواجد المعتصمون من مختلف محافظات جنوب اليمن، متوازياً مع تدخل أشد تأثيراً من جانب القوى الإقليمية التي يبدو أنها هي التي تتحكم بخيوط اللعبة وتوجه مسار الحراك وفق مقتضيات المصالح الخاصة بها.
لا برهان قوي وحاسم يمكنه أن يقدم تفسيراً موضوعياً ومقبولاً لكل ما يحدث في اليمن، خصوصاً عندما نرى رئيسا مثل عبد ربه منصور هادي، ينجو من محاولة انقلاب دبرها الرئيس المخلوع، كما رشح عن دوائر أمنية مطلعة، يتحول مجدداً إلى رئيس يتحكم بمسار الأحداث، ويعطل مفاعيل خصوم أقوياء، إلى حد يكاد يخرج فيه شخص مراوغ مثل صالح من المشهد السياسي برمته معاقباً من الأمم المتحدة ومن أقوى دولة في العالم؛ أمريكا، وتخفُتْ معه النبرة المتعالية لخطاب "الثورة الحوثية"، التي أدركت بعد عبث غير مبرر بمقدرات البلاد، أن نصيب خصمها السياسي التجمع اليمني للإصلاح عاد إلى مستوياته الأولى في الحكومة الجديدة، فيما تراجع إلى مستويات دنيا نفوذ حليفها المؤتمر الشعبي العام، وكأن شيئاً لم يحدث.