كتاب عربي 21

البغدادي إذ يجدد إعلان الحرب ويفتح جبهات جديدة

1300x600
بعد جدل استمر لما يقرب من أسبوع حول إصابته أو مقتله، وبعد أن احتفى التحالف الإيراني بذلك بينما كان الأمريكان يتواضعون في توقعاتهم، خرج أبو بكر البغدادي، أمير "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، أو "الخليفة" كما يراه أنصاره لكي يخاطب أولئك الأنصار، ويخاطب العالم أجمع؛ أولا ليؤكد على أنه بخير، وثانيا ليعيد ترتيب أولوياته وحروبه، ويعلن التمدد وفتح جبهات جديدة.

صحيح أن كلمة البغدادي كانت مسجلة بالصوت فقط، إلا أن نبرة التحدي كانت واضحة فيها، ومعها نبرة الثقة التي تلهم الأتباع بكل تأكيد، وهم كانوا في أشد الحاجة إليها بعد أن تشككوا في خبر إصابته، بخاصة أن الكثير من الحسابات المشهورة لديهم لم تكن تنفي ذلك بشكل واضح، بل كان بعضها يتحدث بنبرة تشي بأن الإصابة حقيقية.

أيا يكن الأمر، فقد خرج الرجل مؤكدا على أنه لم يُصب بأذى، مع أن الصوت لا ينفي الإصابة بالضرورة، لكن الصوت القوي قد يشير إلى شيء من ذلك، ثم شرع يوزع القناعات والتعليمات.

من أكثر ما يمكن التوقف عنده في التسجيل هو القناعة التي لا شك فيها لدى البغدادي بأنه منصور لا محالة، وأنه لن يتوقف حتى يفتح روما حسب قوله، وهي روحية في المواقف كانت ولا تزال جزءا لا يتجزأ من خطاب الدولة الحالم إلى حد كبير برأي كثيرين، والذي يراه أتباعها واقعيا في المقابل.

أعلن البغدادي أن كل الضربات التي تلقاها مقاتلوه لم تسفر عن نتيجة تذكر، وأن الدولة باتت أقوى مما كانت عليه. وفي حين يصعب أخذ هذا الكلام خارج سياق الدعاية، لأن الضربات كانت مؤثرة بعض الشيء، بخاصة في الجبهة العراقية، فضلا عن تعطيلها للحسم في معركة عين العرب، إلا أن المؤكد في المقابل أن الحملة الدولية لم تسفر عن نتيجة كبيرة تتجاوز الإضعاف بعض الشيء، مع العلم أن تدفق المقاتلين على الدولة لم يتوقف، ذلك أن جماعة تحاربها أمريكا وحلفاؤها، وتحاربها إيران أيضا لا يمكن إلا أن تكسب بعض التعاطف في الأوساط الشعبية رغم كل الاستطلاعات، ويكفي أن يُقارن المزاج الشعبي الإسلامي حيالها قبل الحملة الدولية بما بعدها، أو بالأسابيع الأخيرة كي ندرك أن هناك تحولا في اتجاه بعض التعاطف معها.

توقع البغدادي أن يتورط الأمريكان أكثر فأكثر، وينزلوا على الأرض، وهذا ما يبدو واضحا، وهو (أي البغدادي) ذكر إرسال 1500 جندي أمريكي جندي إلى العراق، ولم يذكر قول الجنرال ديمبسي (جاء تصريحه بعد التسجيل) أن واشنطن تدرس إرسال جنود للعمل إلى جانب القوات البرية، وإن سمَّاهم خبراء كحال السابقين.

على أن البعد الأهم في التسجيل، والذي كان الدافع الأكبر لإصداره كما يبدو، إلى جانب تأكيد عدم الإصابة، هو إعلان توسع الدولة نحو مناطق أخرى، لاسيما أن ذلك يمنح الدولة مزيدا من الحضور في ظل عزوف العلماء والدعاة عن إعلان تأييدها، بل ميل الغالبية الساحقة منهم إلى رفض منهجها، بما في ذلك عدد من رموز السلفية الجهادية.

لقد أراد بإعلان قبول تلك البيعات الجديدة التأكيد على أن زمن تنظيم القاعدة قد ولى، وأن هذا زمن الدولة، ولذلك أعلن قبول البيعات الجديدة من مجموعات في اليمن والسعودية والمغرب وليبيا وسيناء. أما الأكثر إثارة في هذا السياق فهو المتمثل في التركيز بشكل واضح على السعودية، وهو ما استوقف عمليا معظم وسائل الإعلام.

هنا تحدث عن المملكة بوصفها "رأس الأفعى"، وهو الوصف الذي كان من نصيب أمريكا في خطاب القاعدة، مع أن دور السعودية في التحالف، بل دور عموم  الدول العربية لا يتجاوز تشريع الحرب، وهو ما ذكره البغدادي نفسه في بداية التسجيل، والغريب أن هذا الهجوم على السعودية يأتي في ظل هجوم إيراني عليها بوصفها من يقف خلف تنظيم الدولة!!

والحال أن من غير المنطقي التعاطي مع كلام البغدادي عن المملكة باستخفاف، ذلك أن إمكانية استجابة بعض الشبان لأمره باستهداف الدولة والشيعة يبقى واردا، وإن صبّ ذلك في صالح إيران من جهة أخرى، لكن البغدادي يرى نفسه في حرب مع الجميع (يهود وصليبيّون وملحدون ومرتدون).

هي حرب طويلة في واقع الحال، والسبب أن الظروف الموضوعية التي أنتجتها لم تتغير، فالقتل الدموي من قبل بشار مستمر، والإقصاء في العراق كذلك، وها هو اليمن يضيف إلى المعركة بُعدا جديدا. وإذا كان البغدادي حالما في تأكيده على الانتصار النهائي وصولا إلى روما، فإن الآخرين سيكونون حالمين إذا اعتقدوا أن الحسم سيكون قريبا أيضا.