بالتزامن مع مساعي المبعوث الأممي العربي المشترك إلى
سوريا ستيفان دي ميستورا، سيطر الصراع الدائر في ريف حلب الشمالي بين قوات
النظام السوري والمعارضة على الرأي العام بكافة أوساطه.
فمع الحديث عن مقترح ديمستورا، وبحثه مع عدد من الأطراف، منها النظام السوري نفسه، ودول داعمة للمعارضة السورية، يجري الحديث عن موجة نزوح من قبل الأهالي من منطقة حلب، في حال اقتراب النظام من إطباق الحصار عليها، إذ إنه على بعد 4 كيلومترات عن ذلك.
إلا أن الأوساط تناقلت أنباء عن سعي النظام لإبقاء هذه المسافة مفتوحة، قبيل إطباق الحصار على مدينة حلب، سعيا منه لإجبار سكانها المعارضين على النزوح إلى تركيا لتشكيل مزيد من الضغط عليها، نظرا لموقفها المناوئ للنظام، ودعمها الكامل للمعارضة.
وفي هذا الإطار، أكد ممثل الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية في تركيا خالد خوجا، أن "النظام منذ بداية الأزمة في البلاد لجأ لسياسة التهجير، حيث كان وزير خارجيته وليد المعلم قد حذر سابقا بأن اللاجئين هم كرة النار التي ستحرق دول الجوار، مستخدما هذه الورقة كضغط ديموغرافي على هذه الدول".
وأوضح خوجا أن "الوضع في حلب هذه المرة مختلف، والمسألة أكبر من التهجير، فالنظام بالتعاون مع تنظيم الدولة، يسعى لتحويل المدينة لمنطقة محاصرة، كما حدث في الغوطة ومناطق أخرى، لكسب العملية السياسية وفق خطة ديمستورا التي تلقى قبولا لدى دول معنية بالأزمة"، مضيفا أن "النظام يريد أن يكسب على الطاولة بطرح روسي إيراني، وصولا إلى حكومة انتقالية، في حين أن النزوح الأخير كان من مناطق النظام أكثر من مناطق المعارضة بسبب هروب عائلات مع أبنائها خوفا من التجنيد الإجباري".
فبحسب خوجا، فإن النظام فقد عددا كبيرا من عناصره، ما أجبره على استقدام مقاتلين من جنسيات إيرانية وعراقية وأفغانية، ولم يبق لديه عناصر سورية، فلجأ إلى سياسة البحث عن الشبان بيتا بيتا، مما شكل ردة فعل لدى السكان بالهروب مع أبنائهم من الحرب، وهي نفس السياسة التي اتبعها حزب الاتحاد الديمقراطي PYD، في مناطق سيطرته، على حد قوله.
ونفى خوجا "قدرة النظام وحده على حصار مدينة حلب، لأنه لا يملك القوة لذلك، فهو منذ بداية سيطرة المعارضة على مدينة حلب، يحاول الالتفاف إليها منسقا مع تنظيم الدولة، ولكنه فشل حتى الآن، وهناك خطورة قائمة في الحصار حاليا، فلا يستطيع ان يوصل الدعم لجنوده والمؤن بشكل كاف من أجل إطباق الحصار، إلا إذا حصل على دعم كبير، وتعاون مع داعش"، مشددا في الوقت نفسه على أن "وصول الدعم اللازم للجيش الحر سيفشل النظام في مخططه في حصار مدينة حلب، بينما إذا استمر قطع الدعم عن الجيش الحر في حلب وإدلب، فقد يتمكن النظام من فرض الحصار".
الحصار مساومة سياسية مع الأمم المتحدة
من ناحيته، قال الباحث اللبناني في العلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية علي حسين باكير، إن "النظام يسعى الى استخدام حصار المدنيين في بعض المناطق من أجل المساومة السياسية مع
الأمم المتحدة، حيث يستغل كل الفرص الممكنة لتقوية نفسه، وللأسف فإن الأمم المتحدة تتجاوب مع ابتزازاته التي ترقى لمستوى جرائم بحق الإنسانية".
وأشار باكير إلى أن "النظام يسعى أيضا إلى استغلال مبادرة دي ميستورا، من أجل محاصرة حلب والإجهاز عليها، وهو الأمر الذي لو تم فسينهي الثورة السورية، لأن النظام يعرف بأن دي ميستورا يعمل بسقف دون سقف جنيف-1، ويركز على أولوية محاربة الإرهاب، وهذا ما أراده النظام سابقا ويريده الآن، لذلك فهو يسعى إلى استخدام دي ميستورا في خطته الخاصة به".
من جانب آخر، أكد باكير أن "نظام بشار الأسد يستغل حاليا كل الفرص الممكنة لتقوية نفسه، وهو ضعيف ويتآكل، لكنّ رهانه هو على انّه سيبقى فيما سيتراجع الآخرون بشكل أسرع، وذلك بسبب بقاء الدعم المقدم له من إيران وروسيا والميليشيات الشيعية، مقابل تراجع الدعم المحدود جدا لحلفاء المعارضة السورية لهم"، مشددا على أنه "إضافة الى ذلك فإن حملة التحالف الدولي ضد داعش، تصب في مصلحته كذلك، ويقوم الأسد باستغلالها بشكل جيد للتقدم، فهو لم يتوقف عن استخدام براميل الموت، واستهداف المدنيين، بل زاد من حملته الدموية"، على حد وصفه.
وسبق أن توصلت مجموعة العمل حول سوريا، التي تضم الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي (أمريكا، بريطانيا، فرنسا، الصين، روسيا) بالإضافة إلى تركيا ودول تمثل الجامعة العربية إلى اتفاق جنيف1 يوم 30 ?ونيو/ حزيران 2012، الذي يدعو إلى حل الأزمة سياسيًّا عبر تشكيل حكومة انتقالية وإجراء انتخابات برلمانية وتعديلات دستورية، وبنود تتعلق بإطلاق سراح المعتقلين في سجون النظام، وسحب الآليات العسكرية من المدن، وفك الحصار عنها، غير أنه لم يشر إلى مصير رئيس النظام السوري بشار الأسد أو ضرورة رحيله مع بداية المرحلة الانتقالية.
ومنذ منتصفآذار/ مارس (2011)، تطالب المعارضة السورية بإنهاء أكثر من (44) عاماً من حكم عائلة الأسد، وإقامة دولة ديمقراطية يتم فيها تداول السلطة، غير أن النظام السوري اعتمد الخيار العسكري لوقف الاحتجاجات، ما دفع سوريا إلى معارك دموية بين القوات النظامية، وقوات المعارضة، حصدت أرواح أكثر من (191) ألف شخص، بحسب إحصائيات الأمم المتحدة.