كتب كل من ويليام بوث وتايلور لاك عن الخطوات التي اتخذتها الحكومة الأردنية لمواجهة انتشار الدعم لتنظيم الدولة المعروف بـ"
داعش".
وفي تقرير نشرته صحيفة "واشنطن بوست" أشارت فيه لاجتماع وزير الأوقاف الأردني مع عدد من الأئمة والوعاظ في مدينة الزرقاء، حيث بدأ الوزير هايل داود حديثه بقوله "أيها
الوعاظ أنتم جنودنا ضد المتطرفين"، ثم أوضح أكثر طالبا منهم "قدموا
الإسلام المعتدل وإلا فعندما تجتازون الخطوط الحمراء فلن نسمح لكم".
وتعلق الصحيفة على ما جاء في تصريحات المسؤول بأنها جزء من رد الدولة الأردنية على تقدم "داعش" السريع والحاسم في كل من سوريا والعراق، ما دفع الأردن لتعزيز الحماية على حدوده، ووضع قواته الجوية واستخباراته في خدمة التحالف، الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة.
ويبين التقرير أنه من أجل مواجهة الدعم الذي يحظى به التنظيم على الساحة الأردنية لا تقوم الدولة بملاحقة ومحاكمة المسؤولين عن التجنيد لصالح "داعش"، ومن يلوح حتى بعلم تنظيم الدولة الأسود، ولكنها حولت انتباهها للمساجد في المملكة، والبالغ عددها 7.000 مسجد.
وتقول الصحيفة إن السلطات الأردنية بدأت حملة إقناع، وفي حالات الضرورة قامت بالضغط على الأئمة والوعاظ، كي يقوموا بنشر رسالة الإسلام المتسامحة لأتباعهم. وتستهدف الحكومة أكثر من 5.000 إمام وواعظ ممن يتلقون رواتب، ويقومون بتقديم مواعظ ودروس في يوم الجمعة.
ويشير التقرير إلى أن الأجهزة الأمنية تراقب النشاطات الإسلامية، خاصة للمتشددين، واتبعت في الماضي سياسة سمحت فيها لقادة المتشددين حتى الموالين منهم لتنظيم القاعدة بتقديم أفكارهم طالما انتبهوا لما يقولون. وتقوم الفكرة على منحهم مساحة يمكن من خلالها مراقبتهم والتحكم بهم والتعاون معهم.
وتستدرك الصحيفة بأن بروز "داعش" دفع السلطات الأردنية للعب دور أكبر من الدور التقليدي السابق.
وتوضح "واشنطن بوست" أن وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية يقوم بجولة في داخل المملكة، للإعلان عن القواعد الجديدة، ويعقد سلسلة اجتماعات مع أي شخص له علاقة بالخطابة وأحاديث الجمعة.
ويفيد التقرير أن السلطات تطالب بشكل محدد الوعاظ الامتناع عن إلقاء خطب ضد العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني والعائلة المالكة، والامتناع عن شتم قادة الدول العربية الجارة للأردن، والامتناع عن التحريض ضد الولايات المتحدة وأوروبا، والتحريض ضد الطائفية، والابتعاد عن دعم الجهاديين والفكر المتطرف.
ودعا داود الخطباء للإيجاز في خطبهم ، إذ قال للوعاظ في الزرقاء "ربع ساعة مقبولة"، وذكرهم بخطب الرسول الموجزة التي لم تكن تتجاوز عشر دقائق وليس أكثر من ذلك، بحسب التقرير.
وتورد الصحيفة أن من يتبع الأوامر فهناك راتب 600 دولار أميركي في الشهر، ومشاركة في محاضرات دينية، وبدل سفر للحج إلى مكة.
ويلفت التقرير إلى أن الوزارة قدمت موضوعات اقترحتها لخطب الجمعة، متوفرة على صفحة الفيسبوك التابعة للوزارة، ومن بين مقترحات الشهر الماضي "الأمن والاستقرار: الحاجة للوحدة في زمن الأزمة"، "العام الهجري الجديد: دورس مستقاة من الهجرة"، "بداية موسم الأمطار: إجراءات السلامة والتحضير للشتاء"، ومن لا ينصاع للأوامر يمنع من الخطابة.
ويذهب الكاتبان إلى أن من يتجرأ ويكيل الثناء لتنظيم الدولة يكون مصيره الوقوف أمام محكمة أمن الدولة، التي زودتها الدولة بالصلاحيات، ليواجه اتهامات بموجب قانون مكافحة الإرهاب.
وترى الصحيفة أن القوة الناعمة في الأردن تدفع باتجاه إسلام معتدل، وهو مشروع يلقى الدعم من الملك عبدالله الثاني، وحظي بثناء من الأميركيين؛ نظرا لمدخله المتقدم، وتأكيده على الرسالة الإيجابية للإسلام، والتي تركز على الخير والاحترام والتسامح.
وتذكر الصحيفة أنه رغم ذلك لم تعجب البعض فكرة تلقينه ما يجب عليه قوله، فما يدعونه "إسلاما معتدلا" ينظرون إليه على أنه "إسلام الدولة"، فرضته عليهم الحكومة الصديقة للغرب.
وينقل التقرير عن محمد الشلبي، الذي يعتبر منظر الجهادية السلفية في الأردن "لم يبقوا لنا مكانا في المساجد، ولا يسمحون حتى لأي شخص يريد استخدام كلمة الدولة الإسلامية". ويشكو الشلبي من كثرة المخبرين في المساجد، ممن يعملون للمخابرات العامة "إنهم يكتبون كل شيء تقوله" .
وتعلق الصحيفة "قد تكون هذه مبالغة، فالأردن لديه الآن 60 جهاز مراقبة (مونيتور) للاستماع للخطب في مساجد المملكة، التي تقام فيها صلاة الجمعة. وأخبر داود اجتماع الزرقاء إنه يخطط لوضع 200 (مونيتور)، مع أن هناك حاجة إلى 400 جهاز كي تقوم بالمهمة".
وفي مقابلة مع الصحيفة قال داود إن عمله "يتقيد بالميزانية والمشاكل اللوجستية، ما يجعل حراسة المساجد مهمة صعبة".
ويجد التقرير أن سياسة مراقبة المساجد ليست جديدة في الشرق الأوسط، فمراقبة الخطب أمر معروف في دول الخليج الغنية بالنفط، وكذلك الدول الاستبدادية الحالية والقديمة في سوريا وليبيا والجزائر.
وتشير الصحيفة أن
الرقابة في المسجد، كما يقال، زادت مع بداية الربيع العربي وصعود الإسلاميين. ففي الآونة الأخيرة برز الوعاظ المدعومون من السلطة الذين كانوا في المقدمة لنشر رؤية الدولة عن الإسلام المعتدل في الأردن، ورفعوا أصواتهم عالية لشجب تنظيم الدولة المعروف بـ"داعش".
وبحسب بعض التقارير في الإعلام العربي يطلب من الواعظ في السعودية اجتياز فحص أمني قبل السماح له بممارسة الوعظ، خاصة الأئمة المرتبطين بجماعة الإخوان المسلمين، وفق "واشنطن بوست".
وتنقل الصحيفة عن عمر عاشور، المحاضر في شؤون الشرق الأوسط في جامعة إكستر، قوله إن "مركزة الإسلام أصبح الآن سياسة"، مضيفا "لقد تمت تجربتها في الماضي ولكن بنتائج متباينة".
ويضيف عاشور "لديك قطاع من المجتمع ممن يحاول البحث عن رسالة أخرى، وأصوات أخرى"، ربما بمتابعة الأئمة الممنوعين. ففي الماضي مررت رسالة المتشددين عبر أشرطة الكاسيت، أما اليوم فهي متوفرة على اليوتيوب.
وتختم الصحيفة تقريرها بالقول "يوظف الأردن حوالي 3.400 واعظ، منهم 2.000 إمام و 1.400 خادم للمسجد، للعمل في مساجد المملكة البالغ عددها 7.000 مسجد. وأدى العجز في ميزانية وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية لمنح أكثر من 2.200 إذن لأئمة غير رسميين -مدرسين ومشايخ قبائل ومواطنين عاديين- للقيام بمهمة خطبة الجمعة". ومن يرغب بصعود المنبر عليه أن يسجل اسمه في مديرية الوزارة، ويتم فحص الطلبات أمنيا، ويجب موافقة المخابرات عليها، ورغم كل هذا فقد استطاع وعاظ متشددون المرور عبر هذه الآلية. ويقول داود "لدينا أئمة يستخدمون المنبر للهجوم على أفراد ودول، ولن يتم التسامح معهم".