للمرة الرابعة منذ انقلاب الثالث من تموز/ يوليو 2013، تعرض الكاتب والمفكر ذو التوجه الإسلامي الدكتور محمد عمارة للمنع من الكتابة في مجلة "أكتوبر" الحكومية
المصرية هذا الأسبوع، بعد أن مُنع من الكتابة في كل من جرائد: الأهرام، والأخبار، والقاهرة، التي تصدر عن وزارة الثقافة.
وذكرت تقارير صحفية أن الدكتور حسن أبو طالب رئيس مجلس إدارة "دار المعارف" أصدر قرارا بمنع عمارة من كتابة مقاله الأسبوعي في مجلة "أكتوبر" التي تصدرها دار المعارف، والذي كان يكتبه أسبوعيا بعنوان "في ظلال الإسلام".
وفي أعقاب الانقلاب العسكري، منعت جريدة "الأهرام" نشر مقال أسبوعي لعمارة في باب "الفكر الديني".
وفي غضون ذلك، امتنعت جريدة "الأخبار" عن نشر "يوميات الجمعة" التي يكتبها
المفكر الإسلامي بعددها ليوم الجمعة من كل أسبوع، بسبب ضغوط أمنية وكنسية مورست على إدارتها لمنعها من نشر مقاله الأسبوعي، بعد الضجة التي أثارها كتابه "فتنة التكفير بين الشيعة والوهابية والصوفية".
ثم تعرض عمارة لمنع نشر مقاله الأسبوعي في مجلة "القاهرة"، الذي كان يكتبه بعنوان: "هذا إسلامنا"، وذلك بعد تغيير رئيس تحريرها السابق صلاح عيسى، وتعيين سيد محمود الصحفي بمجلة الأهرام العربي في رئاسة تحريرها، قبل أسابيع.
وفي كانون الثاني/ يناير الماضي، هاجم الدكتور خالد منتصر الدكتور عمارة في مقال له بعنون: "لماذا تصر يا شيخ
الأزهر على د. محمد عمارة؟" تساءل فيه محرضا: "لماذا يا فضيلة الإمام الأكبر تحتفظ بالدكتور محمد عمارة رئيسا لتحرير مجلة الأزهر التي حولها إلى مجلة إخوانية طالبانية بدون أي إشارة أو نية لمراجعته؟".
ولتبرير تحريضه، قال منتصر: "إن العدد الأخير من المجلة يثبت ذلك، إذ ألحق به ملحقا مجانيا عنوانه ضلالة فصل الدين عن السياسة، قدم له عمارة نفسه مشجعا على عودة الأحزاب الدينية، ومروجا لفكر الإخوان، ومذكرا إيانا بالملحق أو التقرير الذى هاجم فيه المسيحيين واستباح دمهم وحرّض عليهم تحت سمع وبصر الأزهر والأوقاف! كيف يحدث هذا بعد ثورة يونيو؟".
من جهته، كشف الدكتور خالد عمارة -نجل الدكتور محمد عمارة- عن تعرض والده لضغوط ومضايقات من قبل قيادات أزهرية؛ لكي يترك رئاسة تحرير المجلة أو يغير في محتواها.
وبث خالد على صفحته والصفحة الرسمية للدكتور عمارة بيانا قال فيه: "سأحكي اليوم عن شيء شخصي جدا... يتعرض والدي لمضايقات شديدة من مكتب شيخ الأزهر.. ومن غيره... كي يترك رئاسة تحرير مجله الأزهر.. أو لتغيير المحتوى العلمي للمجلة... وبما أننا عائلة لا تعمل أو تفهم غير في العلم.. ولا نتقن سراديب الموظفين وألاعيبهم... أو نفاق السياسة وكذبها... فيجد أبي هذا الضغط المستمر الشديد شيئا سخيفًا".
واستدرك خالد: "لكن من ناحية أخرى.. يصعب عليه المجهود الذي بذله للارتفاع بهذه المجلة التي كانت نكرة، ولا يقرأها أحد منذ سنتين.. فتحولت إلى مرجع ينتظره الكثيرون حول العالم".
وطالب خالد والده بأن يدع منصبه؛ إذ إنه عالم، وله مشروعه الفكري، وليس موظفا يشغله الراتب والمنصب، مضيفا أن والده يشعر بأنها أمانة لا يجب أن يفرط فيها، معربا عن قلقه على صحة والده تجاه "هذه المؤامرات".
وبرغم هذه المضايقات ما زال الدكتور عمارة رئيسا لتحرير مجلة الأزهر، وقد صدر عددها الأخير، ومعه كتيب مجاني بعنوان: "دراسات في القرآن الكريم"، وتناولت موضوعات حول المفهوم الإسلامي للوسطية، وفقه الاختلاف، والحج باعتباره رحلة التوحيد، وغيرها من الموضوعات.
غير أن مراقبين توقعوا عدم استمرار الدكتور عمارة في رئاسة تحرير المجلة، إذ يُراد لها أن تتماهى مع الانقلاب، وأولوياته الدينية، والسياسية، ومعاداته للفكر الإسلامي الحر، الذي يجسده الكاتب الإسلامي، وخصوصا أن هناك حملة تحريض واسعة من الكتاب العلمانيين على شخصه.
هذا، وقد ربط مراقبون بين استهداف الدكتور عمارة بالمنع من الكتابة عموما، والاتجاه الفاشي في الصحف ووسائل الإعلام والإصدارات الفكرية التي تصدر في مصر حاليا، والتي ينظمها توجه فكري واحد، هو التيار العلماني، الذي يتبنى قضية تهميش الدين، وإبعاده عن التأثير في حياة المصريين.
وكان الدكتور عمارة أصدر بيانا في 14 تموز/ يوليو 2013، أي بعد نحو عشرة أيام من الانقلاب العسكري، تحت عنوان "بيان للناس" وصف فيه ما حدث بأنه انقلاب.
وفي بيانه أكد أن إقصاء الرئيس السابق محمد مرسى عن الحكم هو انقلاب عسكري باطل شرعا وقانونا. وأضاف: "كنت أحسب أن موقفي لا يحتاج إلى إعلان لكن أمام تساؤل البعض فإني أقول إن ما حدث في 30 يونيو 2013 هو انقلاب عسكري على التحول الديمقراطي الذى فتحت أبوابه ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011، والذى تمت صياغته في الدستور الجديد الذى حدد قواعد التبادل السلمى.
وأضاف أن هذا الانقلاب العسكري إنما يعيد عقارب الساعة -في مصر- إلى ما قبل 60 عاماً عندما قامت الدولة البوليسية القمعية التي اعتمدت سُبُل الإقصاء للمعارضين حتى وصل الأمر إلى أن أصبح الشعب المصري كله معزولا سياسيا، يتم تزوير إرادته، بالإضافة إلى أنه أصبح يعانى من أجهزة القمع، والإرهاب.
وفي مداخلة مع برنامج "الشريعة والحياة" على فضائية "الجزيرة مباشر مصر"، قال: إن الرئيس محمد مرسى له بيعة في عنق الأمة، مدتها أربع سنوات بحكم الدستور والقانون. وشدد على أن من خرج على الرئيس الشرعي، وانقلب عليه هم الخوارج.
وتابع: "إن الإخوان المسلمين هم الحاملون لمشروع النهضة الإسلامية، وهم الأقرب إلى الفكر الإسلامي الوسطي، والأقدر مع كل المخلصين على تحقيق النهضة الإسلامية التي سعى إليها رواد الإصلاح الإسلامي من الآباء والأجداد".
ويُذكر أن الدكتور محمد عمارة مصطفى عمارة، هو عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، وهو من مواليد عام 1931، وقد درس الدكتوراه في العلوم الإسلامية تخصص فلسفة إسلامية-كلية دار العلوم-جامعة القاهرة 1975، وله مؤلفات يقترب عددها من 300 عنوان بين تأليف وتحقيق.