يرى المراقبون أن تفاخر الصحفي الإيراني بدور
قاسم سليماني، أحد أهم قيادات
الحرس الثوري الإيراني وقائد
فيلق القدس، في
العراق، وخصوصا الكشف عن دخوله الأراضي العراقية قبل نحو 11 عاما بصورة رسمية، يمثل أحد المؤشرات للمأزق الكبير الذي تواجهه حكومة حيدر العبادي في العراق.
يقول مطلعون لـ"عربي 21" إن سليمان كان انتقل حينها مع قوات من الحرس والباسيج إلى جرف الصخر، بعد عدة محاولات بذلتها القوات الحكومية للي ذراع هذه المدينة التي حافظت على قوة الارتباط مع نظام الرئيس الراحل صدام حسين عبر المئات من الضباط وكبار موظفي الدولة، وواصلت التعبير عن ولائها للحكم الذي كان يقوده الرئيس العراقي الراحل من خلال انخراط أبنائها في العمل المسلح ضد الاحتلال الأمريكي، ثم مقاومة المليشيات الشيعية التي أرادت تغيير التركيبة السكانية لحزام بغداد، وخاصة ما كان يطلق عليه اسم مثلث الموت.
وهذا الأمر أصبح أمرا تفتخر به الصحافة الإيرانية بصورة علنية، وهي التي ظلت تحرص في الماضي على عدم إبراز اسم يمكن أن يُفهم منه منافسة لمرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي، وبعد أن ظلت الحكومة الإيرانية تنفي أي تدخل مباشر في المعارك المستعرة في معظم المدن السنية.
ويبدو أن هذا التغير في الموقف السياسي والإعلامي في التعاطي مع قضية وجود مقاتلين إيرانيين في العراق ارتبط إلى حد كبير بسقوط حكومة المالكي بالضربة الفنية الأمريكية القاضية، ووصول حيدر العبادي إلى رئاسة الحكومة بعربة أمريكية، فأرادت طهران عبر سياستها الجديدة إحراج العبادي بالقول إنه أعطى لإيران ما لم تحصل عليه من المالكي.
ووصل الأمر بإحدى الصحف الإيرانية إلى إطلاق صفة قائد القوات العراقية المسلحة على قاسم سليماني، بل وصل الأمر بإحدى الميليشيات الشيعية (النجباء) أن توزع على موقعها أغنية فيها إسقاطات طائفية، وتمجيد بقاسم سليماني، حيث تضفي عليه صفات القادة الفاتحين التاريخيين الذين أتوا بما لم يستطعه الأوائل.
ويتساءل المراقبون الأمنيون فيما إذا كان الجنرال قاسم سليماني هو الذي انتقل إلى محافظة صلاح الدين لقيادة معركة إخراج تنظيم "الدولة الإسلامية" من مدينة بيجي. وإن كانت لا توجد دلائل رسمية على هذا الأمر، إلا أن هناك مؤشرات شبه مؤكدة على أن إيران تسعى لتكريس سليماني قائدا فعليا لقوات الحملة على المدن السنية كي لا تعطي فرصة لأية شخصية عسكرية عراقية مثل هذا الامتياز.
ويعتقد مراقبون أن الحكومة العراقية لن تستجيب للطلبات الداعية لتشكيل قوات الحرس الوطني من قبل شيوخ العشائر الذين يريد كل واحد منهم توظيف هذا الملف للكسب المالي والسياسي، ولكن الحكومة تعزو رفضها لأسباب مالية صرفة. وتلقى هذه التوجهات قبولا من جانب أوساط التحالف الشيعي الحاكم، ودعما من مرجعية النجف التي أنجزت أهم أهدافها وهو تشكيل قوات الحشد الشعبي المسلحة.
ويعود رفض الحكومة لتشكيل الحرس الوطني حتى الآن إلى سببين، الأول هو أن انفراد مليشيا الحشد الشعبي الشيعية في المعارك سيجعلها تتعامل مع المناطق السنية كمنطقة معادية، وستطبق عليها ما تراه مناسبا لمعالجة المستجدات الميدانية استنادا إلى هذه الرؤية. أما إذا تواجدت قوات شبه عسكرية من الحرس الوطني ومن سكان المنطقة؛ فإنها ستحول دون تغوّل المليشيات الشيعية على مدن وسكان ينتمي إليها أفراد الحرس الوطني لمجرد أنهم موجودون في مدن أو قرى تواجد فيها تنظيم "الدولة الإسلامية" في أوقات سابقة.
أما الثاني، فهو أن التحالف الشيعي، الذي يظن أنه استعاد حقا تاريخيا بحكم العراق بعد غياب لعدة قرون، سينظر إلى وجود قوة مسلحة منظمة وتنتمي إلى المكون السني على أنها - بعد أن تنهي معركتها مع "داعش" - قد توجه بندقيتها نحو الحكومة في حال نشوب أي اختلاف في وجهات النظر السياسية أو المالية أو الأمنية، وتصبح مشروعا لأزمة بعد أن كانت مشروعا للحل مع كل ما يعنيه ذلك من عودة الأوضاع الأمنية إلى مربع القلق والتأزم.
ويثير وجود مليشيات الحشد الشعبي في معارك المدن السنية مخاوف من حلول عنف جديد أخطر بكثير من خطر "داعش"، لدخول عامل الاختلاف الطائفي على خط النزاع المسلح، ويعيد إلى الذاكرة ما جرى في عامي 2006 و2007 من قتل وتهجير واختطاف على الهوية.