الحوثيون

دور الزيدية السياسية في تمكين الحركة الحوثية

الحوثيون احتلفوا بعيد الغدير لأول في صنعاء بعد سقوطها بأيديهم - الأناضول
على أنقاض ما كان يعرف بـ «حركة الشباب المؤمن» نشأت حركة الحوثي التي باتت اليوم تُلقب نفسها بـ (أنصار الله).

ففي عام 2000م عمل السيد حسين بدر الدين على تشكيل مسار سياسي روحي داخل حركة الشباب المؤمن، واستقطب بعض جمهورها، ثم أعلن عام 2002م عن توجه سياسي بخلفية تاريخية دينية في ضوء المذهب الزيدي، تدعو إلى مقاومة المشروع الغربي في المنطقة، من خلال إحياء مفاهيم دينية ذات بعد ديني، أبرزها مفهوم «الولاية»، وهو تعبير عن استعادة دور «أهل البيت» في مرجعية الأمَّة فكرياً، وقيادتها سياسياً.

الحوثي والمذهب الزيدي
لم يكن في جملة توجه الحوثي ما ينكره الزيدية إلى درجة المضادة والبراءة، وإن اختلفوا معه في بعض التفاصيل، والأساليب التي انتهجتها الحركة للتعبير عن نفسها وتحقيق طموحاتها، وذلك شأن كثير من الحركات السياسية مع مرجعياتها الفكرية التقليدية. 

ومن أهم ما أثار اعتراض الأوساط الزيدية التي أظهرت نقد الحركة خصوصاً في بداية تكوينها، وقبل أن تشهد بعض التغيير في مسارها الفكري والسياسي:
1. دعوة زعيمها السيد حسين الحوثي للتخلي عن بعض المناهج التعليمية من التراث الزيدي، واصفا إياها بالدخيلة على تراث أهل البيت، مثل: إعمال قواعد أصول الفقه، وعلم الكلام، ومرجعية بعض الأحاديث، ونحو ذلك من المعارف، وهذا مما استنكرته الزيدية التقليدية التي ظلت تدرِّس وتطبِّق تلك المناهج منذ مئات السنين.

2. تحذير الشباب من التوغل في دراسة المعارف الفكرية والفقهية، والاكتفاء باتباع أهل البيت والاعتماد على ما يروى عنهم في تفسير القرآن وفقه الحياة. وهذا لم يكن محل إشكال في مستواه البسيط، ولكن كان الإشكال في انتقاء أشخاص معينين، أو نصوص محددة، أو أفكار مخصوصة.
3. التركيز على أنه لا بدل للناس من عَلَم (قدوة) محدد يرجع إليه الناس ويكتفون بقوله، إلى جانب انتقاد مبدأ التجديد والاجتهاد، واعتبار ذلك سبباً من أسباب الضعف والتَّفرق الذي أصاب الزيدية حتى صارت مشتتة، ومكن التيارات المذهبية المختلفة من اختراقها والتأثير عليها.

4. عسكر الحركة على غير أصول المذهب الزيدي المعروفة والمقرة من أئمته السابقين، وذلك أن الزيدية يشترطون للقيام بأي فعل قد يترتب عليه سفك للدماء أو دمار في الأموال وضياع للممتلكات، أن يكون وفق الأصول الشرعية التي من أهمها: دعوة شخص معين للتغيير، على أن يُقر علماء عصره بأهليته لذلك علمياً وسياسياً.

5. حدة الموقف من المخالفين سواء من المعاصرين الذين يصفهم بأنهم أدوات لأمريكا وإسرائيل، وأعداء أهل البيت، أو من القدماء الذين اختلفوا مع الإمام علي وأهل البيت، حيث كان موقفه من بعض الصحابة شديد على نحو لا يقره أكثر الزيدية، وإن اتفق ذلك مع الموقف التاريخي لـ(لجارودية) من الزيدية.
وجميع انتقاد بعض الزيدية للحوثي تصريحا أو تلميحا أو تضميناً، اقتصر على التخطئة، ولم يبلغ درجة البراءة والعداوة، لذلك ظلت الزيدية «الفكر والتاريخ والجغرافيا» بيئة حاضنة لحركة الحوثي خصوصاً في الثلاث السنوات الأخيرة (2011 – 2014).

الحوثي والشيعة الجعفرية
نتيجة للموقف الحاد للحوثي (المؤسس) من بعض الصحابة، وتركيزه على مسألة ولاية أهل البيت، إلى جانب العلاقة السياسية مع الإيرانيين، يتحدث بعض الكتاب والمحللين على أن جماعة الحوثي خرجت عن المذهب الزيدي واتجهت نحو المذهب الإمامي الجعفري، وهذا غير دقيق؛ لأنهم يختلفون مع الإمامية الاثني عشرية في أهم ركائز مذهبهم في المجال الديني والسياسي، وإن جمعهم عنوان التشيع، ومن أهم نقاط الاختلاف:
1. أن الحوثيين ينكرون أن يكون النبي صلى الله عليه وآله نص على اثني عشر إماماً بأعيانهم، ولا يرون أن أحداً من الأئمة معصوم كالنبي صلى الله عليه، بل جميع الأئمة والعلماء من أبناء الحسنين ليسوا معصومين عن الخطأ، وليست أقوالهم حجة على أحد، بل يؤخذ من أقوالهم ويرد، ولا يلتفت إلى شيء منها إلا بمقدار ما يدل عليه الدليل الشرعي المعتمد. 

2. الحوثيون يؤمنون بإمامة الإمام زيد بن علي، ويحيون ذكرى مقتله باعتباره إمامهم والعلامة فيما بينهم وبين سائر الشيعة، ويؤمنون كذلك بإمامة العشرات من الأئمة الذين لا تؤمن الإمامية الجعفرية بإمامتهم، ولا يرون أنهم أئمة، بل ولا حتى أنهم من أهل البيت الذين يجب الاقتداء بهم. 

3. يعتقد الاثنا عشرية أن الإمام المهدي المنتظر موجود على قيد الحياة وأنه محمد بن الحسن العسكري، وهذا من أصول الدين عندهم، بينما لا يرى الحوثيون صحة القول بأن المهدي قد ولد أصلاً، أو أنه غائب في سرداب، وإن كانوا يرون أن ثمة أخبار عن ظهوره في آخر الزمان.

4. يعتقد الحوثيون أن القرآن الذين بين أيدينا هو كتاب الله، وأن فهمه وتفسيره متاح لكل عارف باللغة العربية من سائر الناس، وأن الأئمة لا يختصون بمعرفة تفسيره والكشف عن أسراره وخباياه، بينما جمهور الإمامية على أن تفسير القرآن سر أوكله الله إلى الأئمة المعصومين عندهم. 

وهذه فروق جوهرية، غير أن السياسة أحيانا تقتضي تجاهلها والاقتصار على التفكير فيما يجمع الأطراف في الإطار العام للتشيع، خصوصاً عند الاستنفار لمواجهة طرف هنا، والتصدي لطرف هناك.
وخلاصة القول في هذا الباب أن علاقة الحوثيين بالإيرانيين علاقة سياسية ولا شأن للبعد المذهبي فيها، و لو أنه يتم التنقيب على المفارقات المذهبية بين الطرفين لوجدت أعمق بكثير مما يتصور كثير من الكتاب والمحللين.   

أثر الزيدية السياسية في دخول الحوثيين صنعاء

لم يكن الحوثيون - كحركة - منذ عام 2011م خارج صنعاء - كما يتصور البعض - بل كانوا في صنعاء كما كانوا في صعدة وعمران والجوف وحجة وذمار، وإن بنسب مختلفة من حيث العدد، وبنوعيات متفاوتة من حيث مستوى الانتماء والتأييد.

ولا شك أن حضور الحشود إلى مشارف صنعاء من مختلف المناطق ذات الغالبية الزيدية، حفَّز الوجود الزيدي داخل العاصمة للقيام بدور أكبر بكثير مما كان عليه قبل ذلك، ودفعهم للتجمهر والحضور اللافت والفعَّال، خصوصاً وأن كثيرا منهم كان يشتكي طوال العقود الماضية من تهميش وإبعاد تحت ذرائع مذهبية وتاريخية غير معلنة.

أما فكرة الخروج على الحاكم الظالم التي اشتهر بها المذهب الزيدي فلم تعد اليوم مقتصرة عليه، فقد صارت أكثر الحركات السياسية تتبعها اليوم إن تمكنت من ذلك، سواء كانت سنية أم شيعية جعفرية أم غير ذلك.    

ومما يحسن التأكيد عليه أن الحوثيين يقدمون أنفسهم كحركة شعبية غير مذهبية، ويحرصون على انضمام أي صوت من خارج البيئة الفكرية الزيدية والنطاق الجغرافي الشمالي، ويتحدثون عن مشروع وطني يشمل مختلف المناطق والمذاهب والأحزاب، وعلى الرغم من أخطائهم فإنه لا يمكن مقارنتهم في مسألة التسامح مع المخالف بالجماعات الدينية السياسة المتشددة مثل القاعدة وداعش.
غير أن خصومهم يؤكدون أن ذلك مجرد كلام للاستهلاك الإعلامي وعبور المرحلة، ولا أثر له على الأرض، ويتهمونهم باستهداف ممنهج لكل ما يعارضهم أو لا يتفق معهم، حتى أولئك الذين لا يتفقون معهم وإن كانوا من المدرسة الزيدية نفسها.

فـ«حزب الحق» أحد الأحزاب المحسوبة على الزيدية السياسية، والذي كان السيد حسين الحوثي نفسه نائبا عنه في البرلمان من عام 1993م – 1997م  يتم استهدافه من خلال استقطاب كوادره والتشكيك في قياداته وتفكيكها، حتى بلغ أدنى مستويات الضعف والتمزق.

و«حزب الأمة» الذي أعلن عن تأسيسه مؤخرا، ويغلب على كوادره وقياداته أنهم من مشايخ وطلاب المدرسة الزيدية، يتم القضاء عليه بالتأثير على كوادره وتجفيف منابع حيويته على مستوى الداخل والخارج. 

لذلك يتوقع بعض المراقبين أن تشهد جماعة الحوثي منافسة قوية من داخل المدرسة الزيدية بل وانشقاقات حادة في صفوف الحركة، ولكن ذلك لن يكون إلا بعد أن يستقر الوضع الأمني والسياسي، حيث سيخرج التنافس الخفي إلى العلن، خصوصاً أن الملتحقين بصفوف الحركة في الآونة الأخيرة يغلب عليهم الانجراف مع التيار، أو الانتصار لعصبية، أو النكاية بالخصوم، أو التطلع لمكاسب شخصية.

 وبخلاف كثير مما يثار عن إمكانية تراجع الحركة أو انقسامها يلاحظ أنه قد توفر للحركة من الظروف السياسية والاجتماعية، والمناخ الإقليمي والدولي ما يمكنها من إحداث تغيير تاريخي كبير في اليمن، إن طبَّقت بعض الشعارات والوعود التي أطلقتها مؤخراً، وانفتحت على الآخرين، وقبلت الشركاء والمنافسين، ولم يتمكن خصومها من إعادة ترتيب صفوفهم، وتغيير أساليبهم في إدارة الصراع.

وستبقى مشكلة الحوثيين الكبرى في التعاطي مع ملفين مهمين، أحدهما: كيفية التعامل مع الأحزاب والقوى السياسية التي لم تثق بشيء مما يقوله الحوثيون، وترتاب كثيرا من سلوكهم، وتتخوف مما تعتقد انه نزعة تفرد واستئثار لديهم لا تختلف كثيرا عن أي صورة من صور الاستبداد.

وثانيهما: التعامل مع المحيط الإقليمي والمجتمع الدولي، وهل سيتمكنون من التوفيق بين حسن الجوار مع دول الخليج، وحفظ الصداقة مع إيران، ووضع كل ذلك في مسار يتقبله السياسيون في اليمن.