اقتربت الصغيرة نسمة حسين، صاحبة الرداء الوردي، من موقد النار الذي أشعله والدها أمام بيتهم أكثر فأكثر؛ لتبحث عن قليل من الدفء، الذي غادر منزلهم شبه المدمر، جراء الحرب
الإسرائيلية.
فالدمار الذي لحق بمنزل عائلة الطفلة حسين، الواقع في منطقة الشجاعية، شرقي مدينة
غزة، خلال اندلاع الحرب الأخيرة، تسبب بانقطاع التيار الكهربائي عنه منذ ذلك الوقت، وسيحرمهم ذلك من التدفئة والإنارة، بحسب أهالي المنطقة.
وبين الفينة والأخرى تمدّ الطفلة حسين، الجالسة برفقة عائلتها فوق جزء من أنقاض منزلهم، يديها صوب الحطب المشتعل، ثم تضعهما على وجنتيها عدة مرات، فهي تشعر بالبرد ليلا، على حد تعبيرها.
وتضيف صاحبة البشرة القمحية، ذات الـ11 ربيعا "لا توجد كهرباء في بيتنا، لهذا فإن أمي لا تستطيع أن تشعل المدفأة عندما نشعر بالبرد، لكن أبي يشعل لنا النار ليلا حتى نرى ما حولنا ونتدفأ بها".
وأردفت: "أريد أن يعود بيتنا المقصوف كما كان، أنا أخاف عند حلول المساء، وأشعر أنا وإخوتي الصغار بالخوف من الظلام، ماذا سنفعل عندما تهطل علينا الأمطار".
ويقول والدها حسين مصطفى، صاحب اللحية البيضاء الطويلة: "لقد تعبنا من هذا الحال الذي نعيشه، لا كهرباء ولا ماء، وجزء كبير من المنزل معرض للسقوط، ولا نملك أي مأوى آخر نلجأ إليه، فلا يمكنني استئجار منزل، لأنني لا أملك ما يكفي من المال".
وبعد أن أشار مصطفى بيده إلى أبنائه الثمانية الذين كوَّنوا حلقة حول "موقد الحطب"، قال: "ما ذنبهم حتى يعيشوا في هذا المكان غير الصالح للسكن الآدمي، لقد جمعت بعض الحجارة وألواح الصفيح لنكون غرفة نستطيع العيش فيها".
ووفقًا لمركز الإحصاء الفلسطيني، فقد ارتفع معدل البطالة في قطاع غزة، إلى 40% في الربع الأول من عام 2014.
وقال الاتحاد العام للصناعات الفلسطينية، في بيان صحفي، أصدره مؤخرًا، إنه تم تسريح أكثر من 30 ألف عامل من وظائفهم بسبب الحرب الإسرائيلية على القطاع في الـ7 يوليو/ تموز الماضي، مما رفع نسبة البطالة لأكثر من 55%.
وفي منزل مجاور، انشغل نبيل خليل، بإسدال قطعة من قماش مهترئ، ليصنع جدارًا جديدًا للغرفة التي يسكن فيها هو وعائلته، عوضًا عن ذلك المهدوم.
وقال خليل وهو ينظر لعدد من أبنائه الذين غلبهم النعاس، "معظمهم يطلب مني مغادرة بيتنا بعد تعرضه للقصف، وتدمير جزء كبير منه، إنهم يخافون من الظلام، ومن جدرانه التي يشعرون بأنها ستسقط في أي لحظة، لكن لا أستطيع فعل شيء فأنا لا أعمل".
واستدرك قائلا: "نحن مقبلون على الشتاء، نحتاج للكهرباء أكثر لتسخين المياه، وللتدفئة، وللرؤية، فالهواء لن يسمح للشموع بالإنارة باستمرار".
وناشد خليل الحكومات العربية والدولية، مساعدة سكان قطاع غزة، مضيفًا، "نتمنى من الحكومة التركية أن تقدم لنا العون كما اعتدنا دومًا".
وشنت إسرائيل حربًا على قطاع غزة، في الـ7 يوليو/ تموز الماضي، استمرت مدة 51 يومًا، أودت بحياة أكثر من 2160 فلسطينيًا، وإصابة ما يزيد عن 11 ألفا آخرين.
ووفقًا لإحصائيات لوزارة الأشغال العامة والإسكان، فقد تسببت الحرب بتدمير أكثر من 9 آلاف منزل بشكل كلي، و8 آلاف أخرى بشكل جزئي.
وبعد أن استعانت فاطمة حوسو بـ "كشاف صغير" للإنارة، لتجهز لصغيرها مكانًا للنوم، قالت "لقد لجأنا إلى مدرسة إيواء خلال الحرب، وأُخرجنا منها بعد ضغط من إدارتها بسبب بدء العام الدراسي، لذلك عدنا لبيتنا الذي طاله الدمار، كما باقي كل بيوت حي الشجاعية".
وتابعت: "البرد القارس سيجتاح بيوتنا فلا جدران صالحة فيها، ولا كهرباء للتدفئة، وموقد الحطب الذي نلجأ له اليوم لن يفعل شيئا في المستقبل، نزداد قلقًا كلما اقترب فصل الشتاء".
وبعد أن أشارت إلى الجدران أضافت: "انظروا إلى المنزل المليء بالثقوب والفجوات وآثار الحريق من القذائف، فقدنا كل شيء من الأثاث والملابس، ولكن أين سنذهب".
ودعت فاطمة جميع الجهات المسؤولة عن
إعادة إعمار قطاع غزة إلى النظر إليه بـ"عين الرحمة"، والإسراع في تنفيذ مشاريع بناء المنازل المدمرة، لـ"عودة الكهرباء والمياه والعيش بأمان".
وكان مؤتمر إعادة إعمار قطاع غزة، الذي عقد في القاهرة في منتصف الشهر الجاري، قد جمع مبلغ 5.4 مليار دولار نصفها خصص لإعادة الإعمار، والجزء المتبقي خصص لتلبية احتياجات الفلسطينيين.