كتب
إلياس حرفوش: معركة
كوباني تجر الرئيس باراك أوباما من قدميه ورغماً عنه إلى الحرب السورية. حاول جاهداً، طوال السنوات الثلاث الماضية أن يتجنب هذا الانزلاق، وأن يعتمد على التهديدات والخطب النارية ضد نظام بشار
الأسد. لكن الرئيس السوري كان طوال هذه المدة يغلي هذه الخطب ويشرب ماءها، لأنه كان يعرف من اي معدن صُنعت عظام باراك أوباما.
ظل الأمر على هذه الحال إلى أن اقتحم تنظيم «داعش» المشهدين السوري والعراقي وبدأ مرحلة محو الخرائط. هذا تنظيم لا شك في وحشيته وسلوكه الإرهابي. وأمام هذا الخطر الممتد من العراق إلى سورية، والذي أصبح يهدد بالوصول إلى ربوع أخرى مثل لبنان وتركيا، ويقلق دول الإقليم كلها، لم يعد ممكناً ولا مسموحاً ان يبقى الرئيس الأميركي متفرجاً. اضطر أوباما أن يراجع حساباته وأوراقه، وأن يعيد قراءة نصائح مستشاريه ووزرائه السابقين، وعلى الأخص هيلاري كلينتون وليون بانيتا، اللذين أصبحت انتقاداتهما لرئيسهما بسبب تأخره في إطفاء النار السورية روايات للتندر في الإعلام الأميركي.
كانت ولادة «داعش» ورعايته في حضن استخبارات بشار الأسد فرصة ليهدد النظام السوري بهذا التنظيم حكومات العالم وأجهزتها الأمنية، وليقول لها: الخيار أمامكم الآن بيني وبين «داعش». كان يمكن لهذه اللعبة المكشوفة أن تسير في خطها المرسوم، لولا أن «داعش» تخطى الحدود المقبولة وبدأ موسم الذبح على الشاشات والمواقع الإلكترونية. هنا خرجت اللعبة عن حدّها وصار العالم في مواجهة وحش متمرد، باتت مواجهته والقضاء عليه مطلباً إقليمياً قبل ان يكون دولياً.
كان حلم الرئيس السوري أن يبقى تنظيم «داعش» ومثله «جبهة النصرة» أدوات في يده، يخيف بها الغرب من جهة، ويترك لها من جهة أخرى المجال لخوض معارك السيطرة والنفوذ على أجزاء من الأرض السورية مع التنظيمات المعارضة الأخرى. وهي على كل حال عادة نظام دمشق في تقسيم الخصوم وتفكيك صفوف المعارضين، ثم الجلوس في قصر المهاجرين للتفرج على صراعاتهم.
لكن هذا الحلم يتبدد اليوم مع دخول القوات الأميركية وقوات حلفائها ساحة المعركة مباشرة. لا تستطيع هذه القوات أن تخوض حربها مع «داعش» نيابة عن الأسد، كما يتمنى. الموقف الإقليمي والدولي يعتبر أن نجاح المعركة مع الإرهاب في سورية لا يمكن أن يكتمل إلا بسقوط نظام بشار الأسد. من هنا إصرار المستشارين العسكريين للرئيس الأميركي على المواجهة العسكرية مع قوات هذا النظام، ووضع خطط لإعادة بناء مؤسسات الدولة السورية، إلى جانب مشاركة القوات الأميركية في المعارك الدائرة في العراق.
ومع أن الهدف الأساس لقوات التحالف اليوم هو ضمان نجاح المعركة مع «داعش» في العراق ولو اقتضى الأمر دخول قوات برية وإعادة تأهيل الجيش العراقي وتحسين علاقاته مع المناطق السنّية، فإن هناك إجماعاً بين العسكريين الأميركيين على أن هذا الفوز لن يكتمل إلا بالقضاء على هذا التنظيم في مناطق نشأته في سورية وبقيام منطقة عازلة تحمي الأكراد وتوقف زحف مهجّريهم إلى أراضي تركيا، وهو أحد المطالب الرئيسية لرئيسها أردوغان.
نهاية نظام صدام حسين بدأت من باب الحماية الدولية للإقليم الكردي في شمال العراق. وها هو التاريخ يكرر نفسه، بطريقة أكثر دموية وبشاعة. إنها مواجهة مع التنظيمات الإرهابية لن تنتهي إلا بتسوية في سورية يدفع ثمنها بشار الأسد.
هل كان هذا ما قصده نائب الأمين العام لـ «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم، عند استقباله المبعوث الدولي الخاص إلى سورية ستيفان دي ميستورا، عندما قال إن الحل السياسي ينقذ سورية وشعبها، و"إن على الجميع أن يتوقعوا تنازلات مؤلمة في هذا الإطار".
(الحياة اللندنية)