وصفت الروائية والكاتبة
المصرية أهداف سويف الوضع في مصر، وكيف تقوم الدولة فيها بمحاولة التحكم بكل مصدر للسيطرة على كل مفصل من مفاصلها.
وتقول سويف في مقالها الذي نشر في صحيفة "أوبزيرفر" البريطانية، "كانت الساعة التاسعة والنصف مساء، وصوت الانفجارات المتقطع كان يسمع من غرفة الجلوس، معظم الناس يمكنهم التعرف على مصدرها، أما أنا فلا. قد تكون أصوات إطلاق رصاص، أو قد تكون قنابل مسيلة للدموع أو العاب نارية. والحديث عن العاب نارية يشي بأن الناس ربما كانوا يحتفلون بالأعراس أو يواجهون الشرطة، أو يلعبون بها للفرجة. ولهذا واصلت ما كنت أقوم به: كتابة رسالة قد تتمكن شقيقة سجين شاب من إيصالها له عندما تزوره غدا، رسالة للترويح عن نفسه ولتذكيره أننا لم ننسه، وأنا والكثيرون في خارج السجن أخذنا على أنفسنا عهدا لإخراجه وغيره من المعتقل".
وتعلق الكاتبة "منذ 30 حزيران/ يونيو اعتقلت السلطات المصرية 40.000 مصري، منهم 16.000 لا يزالون في السجن. وغالبيتهم ربما ينتمون للجماعة المحظورة الآن،
الإخوان المسلمين. ومن هؤلاء قلة ارتكبت أعمال عنف، أما معظمهم فلم يرتكبوا. وبقية السجناء، ما بين 8.000 و 9.000 موزعين بين ناشطين ثوريين ومتفرجين، وقعوا في حملة اعتقالات الشرطة واستخدموا لتكملة العدد".
وتضيف سويف "تقوم الدولة بمصادرة كل شيء حتى تحكم السيطرة على البلد، وحتى المؤسسات التي شهدت انتفاضات خلال عهد مبارك، مثل القضاء والجامعات والإعلام، فقد ضمت للحظيرة. والمشكلة، ليس لأنها لا تسير حسب ما تريده الحكومة، ولكن لأنها حددت مصالحها بـ (الاستقرار) مقابل (التغيير الثوري)".
وتتابع الروائية "كمثال على تلاقي المصالح هذا، والمثير للصدمة؛ الطريق التي يعمل فيها القضاء والنيابة العامة بشكل سلس مع وزارة العدل. إذ تقوم الشرطة بجر الناس للسجن، ومن ثم توجه النيابة العامة اتهامات لهم من القائمة المعروفة (أعمال تخريبية)، وبعدها يصدر القضاة أوامر بالسجن، التحفظ، تأجيل محاكماتهم لشهر، وبعد شهر يقومون بإصدار أحكام سخيفة وغير عادلة".
وتذكر سويف أن "معظم السجناء السياسيين هم من
الشباب، وهناك حوالي 1.000 من القاصرين من تسع محافظات في السجن، وهناك أيضا حوالي 2.000 طالب، وكل حالة من السجناء لها فرادتها وغرابتها وصدمتها، التي تحطم القلب، كل هذا يضيف للحرب على الشباب، التي تقوم بها الدولة".
وترى الكاتبة أن الشباب هم مصدر خطر وخوف للدولة "في بلد نسبة الشباب ممن تحت سن الـ 25 هي 50%، فحراس الدولة يخافون من الشباب. وقضى هؤلاء الصيف كله بتجريد الجامعات من الإنجازات التي حققتها منذ عام 2011. وعندما جاء الطلاب في اليوم الأول من بداية العام الدراسي وجدوا على بوابات الجامعات شركات حراسة خاصة، جاهزة للتلاعب بهم، والتعليق على ملابسهم، ومصادرة أداوت التجميل من الطالبات. وفي فجر ذلك اليوم – بدء العام الدراسي- اعتقلت الشرطة 57 طالبا".
وتجد سويف أن الدولة تفعل كل هذا "باسم الحرب على
الإرهاب، صحيح الإرهاب موجود في مصر، ففي يوم الأربعاء انفجرت قنبلة بدائية أمام المحكمة العليا في وسط القاهرة وجرح 12 شخصا، وفي يوم الخميس انقجرت عبوتان في طنطا، عاصمة منطقة الدلتا، حيث كان يعقد احتفال سنوي هناك، مما أدى لجرح 11 شخصا، وفي وقت متأخر من ذلك اليوم انفجرت عبوة مصنعة محليا في العريش وقتل ثلاثة جنود وجرح 9 آخرين".
وتشير الكاتبة إلى أن الانفجارات هي جزء من المعاناة اليومية التي يعيشها المصريون، في حين يؤكد النظام أن الأمور عادية، وتعقب إن "(ديمقراسي إندكس ريبورتس) سجل 32 انفجارا باستخدام عبوات بدائية حدثت في مصر منذ أيلول/ سبتمبر، التي كسرت الحالة (العادية) التي نعيشها إلى جانب استمرار قطع الكهرباء وتقارير عن خطف الأطفال من أجل الفدية، ومعارك بالسلاح بين قرى كاملة، وارتفاع الأسعار وزيادة حالات الانتحار وحوادث الطرق، وما إلى ذلك".
وتلفت سويف إلى أن "الحكومة تتجاهل كل إشارات الضيق والانهيار، وتركز على حربها الفاشلة ضد الإرهاب، وتقوم بتضييق الحريات ونزع الشرعية عن كل المطالب، فالشعار هو (انظر حولك، واشكر ربك) أن مصر ليست سوريا أو العراق أو ليبيا".
وتذهب الروائية المصرية إلى أن "الخطأ الرئيسي الذي ارتكبه الإخوان المسلمون وحكومة محمد مرسي، أنها حاولت التصرف وكأنها ورثت راية الرعاية والقمع من مبارك، ولكنها قامت بالتحالف مع الجهات الخطأ، وأخطأت تقدير قوتها ومزاج الناس. وفي الوقت الحالي قبلت الوضع أنها عادت للزمن الاستبدادي مرة أخرى. فالسيد عبدالفتاح
السيسي رئيس منتخب، ويحظى بشعبية والمقايضة التي تم الاتفاق عليها: نتخلى عن حريتنا مقابل عودة الأمن ودوران عجلة الاقتصاد من جديد. فشعارات الثورة العظيمة (خبز، حرية وعدالة) انتهى الأمر إلى الشعور بالامتنان لفتات الخبز والبحث عن زاوية هادئة".
وبعد كل هذه تتساءل سويف عن السبب الذي يدعو الحكومة لمواصلة سياسة اليد الحديدية، والدوس على كل رأي مستقل، "لماذا الحرب على الشباب؟ لماذا الحرب على المجتمع المدني الذي كان الرافد والحامي للثورة؟ فقد أعطت الحكومة منظمات المجتمع المدني حتى العاشر من تشرين الثاني/ نوفمبر كي تخضع لرقابة الدولة وإلا منعتها من العمل".
وتعتقد الكاتبة أن "النظام يريد كل شيء، فهو لا يمكنه التخلي بصراحة عن ثورة 25 يناير أو إعادة مبارك وجماعته مرة ثانية للرئاسة. ولكنه يكره وبحس انتقامي كل شيء وكل واحد له صلة بثورة 25 يناير . وفي الوقت الذي يربط الخطاب الرسمي بين 25 يناير و30 يونيو يقوم النظام بمحاكمة رموز 25 يناير ويتخلى عن كل الإنجازات التي حققتها هذه الثورة، باسم الأمن والاستقرار والدولة القوية. وفي كل مرة ينجلي فيها الدخان، كل ما نراه من الدولة هو دبابات في الشوارع، وبناء مستمر للجيش ويافطات جديدة تعلن عن شركات أمنية خاصة".
وتختم الكاتبة مقالها بالقول "نما نظام مبارك ليصبح عاجزا وسمينا وراضيا عن نفسه، وفي السنوات الأخيرة لم يكن مهتما بما كان يقوله الشعب أو يفعله، طالما لم يمس أحد مصالحه التجارية. أما النظام الذي نعيش في ظله فهو حساس بطريقة زائدة، فهو ليس راضيا عن بناء مشاريع كبيرة مثيرة للتساؤل وتمرير قوانين غير دستورية لحماية نفسه من الإرهاب والمؤامرة المتنوعة، ولكن من محاولات تشويه سمعته، من الدعابات ومن اللغة السخيفة وغير المهمة، من الطلاب والفنانين ومن اتحادات الطلاب ومن الشعارات الجدارية ومن مشجعي كرة القدم ومن الفنانين والمصورين الصحافيين. ويريد حماية نفسه من المساءلة عن جرائمه التي ارتكبها".