انتقدت حركة حماس الأربعاء، تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة
بان كي مون، بعد دخوله نفقا أرضيا حفرته الحركة من قطاع
غزة إلى داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، واتهمته بـ"
النفاق السياسي".
وقال عضو المكتب السياسي للحركة محمود الزهار في تصريح صحفي مكتوب إن تصريحات كي مون "حول أنفاق المقاومة الفلسطينية تعكس
ازدواجية معايير ونفاقا سياسيا".
وأضاف الزهار أن "ترسانة الاحتلال الإسرائيلي ومفاعله النووي أخطر بكثير من نفق يتحدث عنه كي مون".
وكان بان كي مون عبر عن "صدمته" من مشاهدته لأحد أنفاق كتائب القسام، خلال تفقده المستوطنات الإسرائيلية قرب قطاع غزة مساء الثلاثاء.
"كي مون" يخاطب غزة باللون الرمادي
ولم يحمّل "بان كي مون" الأمين العام للأمم المتحدة، الاحتلال الإسرائيلي مسؤولية جرائمه الأخيرة خلال زيارته لقطاع غزة، متجاهلا عذابات الفلسطينيين وحقوقهم بالعيش بحرية وأمن واستقرار.
ولم يكن قطاع غزة على موعد مع زيارة كي مون التي وصفتها منظمات أهلية وحقوقية بأنها متأخرة، في الوقت الذي لم يصرح فيه الأمين العام بموقف واضح تجاه جرائم الاحتلال التي يجرّمها القانون والاتفاقيات الدولية، فيما لا تزال الشهادات الحية طازجة تحمل رائحة أشلاء الأطفال وإحصاءات طويلة من الضحايا.
وكان كي مون، زار الأربعاء قطاع غزة، واطّلع على حجم الدمار في أجزاء منه، لا سيما في الشجاعية وجباليا. ثم زار مؤسسات للأونروا قصفتها "إسرائيل"، ليخرج بعدها بمؤتمر صحفي لم يكن عند أدنى توقعات سكان غزة وخبراء المؤسسات الحقوقية والإنسانية الذين واكبوا جريمة 51 يومًا من الحرب.
جدوى الزيارة
ورغم أن عينا "بان كي مون" ضيّقة، إلا أنه شاهد بهما حجم الدمار الهائل وجرائم الاحتلال فاقعة اللون التي عاشتها غزة طوال سبع سنوات من الحصار وثلاثة حروب، كانت آخرها الأكثر شراسة وعنفا.
ووفقا لمدير مركز الميزان لحقوق الإنسان عصام يونس؛ فإن المؤسسات الحقوقية والإنسانية كانت تنتظر أكثر من ذلك من كي مون، فهو لم يتطرق للقضايا الأساسية مثل المسؤولية الأخلاقية من الأمم المتحدة عما جرى من جرائم حرب، بل كانت مؤسسته جزءًا من المشكلة حين فضلت السكون.
وأضاف: "توقعنا تظهير سبب المشكلة والمساءلة والمحاسبة لمن ارتكب الجريمة لأن الاحتلال يعتبر نفسه فوق القانون، فانتظرنا منه القول إنه حان الوقت لمحاسبة إسرائيل على جرائمها بعد 51 يوم حرب والوصول للحظة حقيقة، مؤكداً على قضايا العدالة وإنهاء الشكل السابق للاشتباك".
زيارة كي مون، لم تحمل جدوى إيجابية لغزة حاليا لأنها حسب رؤية المحلل السياسي الدكتور وليد المدلل منوطة بقدرة الفلسطينيين والعرب على فرض إرادتهم على الإدارة الدولية، فهو لم يجرّم "إسرائيل" بينما أدان المقاومة وقال كلامًا في "إسرائيل" وكلامًا آخر في غزة.
وأضاف المحلل المدلل: "كلامه معسول؛ فقد أكد حق إسرائيل بالدفاع عن نفسها وضروراتها الأمنية وجرّم المقاومة، وقال: إسرائيل وجدت لتبقى بينما لم يبق من الفلسطينيين إلا أن يوقعوا على ورقة بيضاء بعد أن قدم الفلسطينيون سياسيا كل شيء، فظهرهم للجدار".
معايير مزدوجة
وكان "مون" قد صرّح خلال زيارته لأنفاق المقاومة في "إسرائيل" بالقول: "ندهش لما نشاهد، وإنه من غير الممكن أن يعيش سكان جنوب إسرائيل تحت تهديد الصواريخ من الجو والأنفاق، لقد أدنت هذه الأنفاق والصواريخ التي تطلقها حماس، وهذا الأمر غير مقبول فهي تمس بالسكان المدنيين، وهذا الأمر يوجب الإدانة".
أما في غزة فقد بدا كي مون، كمن يحاول امتصاص غضبها فقال: "من المهم أن أستمع للأطفال والمعلمين وهم يتحدثون عن محنتهم، وما حدث بغزة دمار كبير وعار على المجتمع الدولي، يتطلب احتياجات عظيمة، أن تولد في غزة ليست جريمة! ما الذي فعله هؤلاء الأطفال لتقتلهم إسرائيل؟" .
المطلوب من كي مون، بحسب خبرة مدير مركز الميزان، هو البحث في أسباب المعاناة، ألا وهي الاحتلال؛ حتى لا نقف أمام حالة تعيد إنتاج نفسها، مبديا تشاؤمه من محاسبة الأمم المتحدة في جرائم قصف مؤسسات الأونروا، وهو مشهد تكرر في حربي 2009 و2012، وكالعادة سيمر دون محاسبة.
اللجان التي تحدث عنها كي مون، لبحث جرائم "إسرائيل" بغزة كانت دوما بحسب تأكيد المدلل طوق نجاة للاحتلال، فهي لا تنتهي بشيء، وتوصياتها غير ملزمة، وقد حاولت الأمم المتحدة محاسبة "إسرائيل" بعد قصف مدرسة الأونروا بجباليا سنة 2009 ولم يحدث شيء، والحديث اليوم يتكرر.
زيارة كي مون جاءت بطابع أخلاقي ومضمون معنوي تناسب مع موقعه الشرفي كما يقول المحلل السياسي طلال عوكل؛ فهو يمثل رئيس كل الشعوب لكنه لا يملك قرارا ولا يخرج عن الخط الأمريكي، لذا اكتفى بزيارة مساواة وتصريحات لا تتبعها أي إجراءات عملية.
ويبدو المحلل السياسي الدكتور عبد الستار قاسم أكثر تشاؤما حين يصف كي مون بأنه موظف أمن أمريكي لا يملك الجرأة لقول الحق، وأنه يكتفي بتصريحات تداهن "إسرائيل" والفلسطينيين، وأن ما يخص "إسرائيل" دوما يحظى بدعم إعلامي عالمي.
الحصار والإعمار
في سياق متصل؛ فإن الجهات المانحة لا تقدم دعما ماليا بالمجان، وتتبع منظومة جديدة بدأت تظهر ملامحها في المنطقة غير معنية بحل الصراع الفلسطيني بل الحفاظ على ودّ "إسرائيل" مع تخفيف جزئي للمعاناة اليومية خاصةً في غزة، وكي مون بطبيعة الحال لن يخرج عن خط السياسة الأمريكية المنحازة دوماً لـ"إسرائيل".
وخلال زيارة كي مون أعلنت "إسرائيل" أنها سمحت بإدخال كمية من مواد البناء والإعمار لمغازلة موشحته الإنسانية، في حين انبرى هو للحديث عن رواتب موظفي غزة التي أقلع قطارها وسيصل قريبا عبر ممرات الأمم المتحدة.
ويقول مدير مركز الميزان عصام يونس، إن أي إعمار دون محاسبة سيعيد إنتاج الأسوأ، وإن الحصار هو عقاب جماعي يجب رفعه وعدم الاكتفاء برفع ثلث أو نصف حصار وعدم القبول ببحث آليات إدخال مواد البناء.
ويؤكد المحلل المدلل أن دول الغرب ما زالت تعتقد أن أسباب المقاومة هي مثلث "الجوع والفقر والبطالة"، لذا فهم يقدمون المال لامتصاص فقر الشعب وامتلاكه وهي نظرية مضللة تمتد حتى اليوم بينما المشكلة الحقيقية في وجود الاحتلال.
أما المحلل قاسم فيؤكد أن التطرق لمشكلة الرواتب كعنوان مهم للحصار لا تكون بآلية توفير مساعدات مالية أو تصريحات عن وصول دفعات كما صرّح كي مون بغزة الأربعاء، وإنما برفع الحظر عن الحركة المالية التي تتحكم فيها "إسرائيل"، لذا فإن "إسرائيل" لا تزال هي من يقرر تواصل الحصار.
ولا يتوقع كثير من المراقبين مشهدا نقيا لزوال الحصار بل محاولة لتخفيفه بشكل تدريجي من قبل "إسرائيل" تقف أمامه صعوبات أهمها "المصالحة الوطنية"، وتربص "إسرائيلي" متواصل لوضع العصي في الدواليب.