كتاب عربي 21

تركيا.. هل عملية السلام الداخلي في خطر؟

1300x600
تركيا شهدت الأسبوع الماضي مظاهرات خرجت في عدد من المحافظات تلبية لدعوة أطلقها حزب الشعوب الديمقراطي للنزول إلى الشوارع للاحتجاج على محاصرة مدينة عين العرب التي يسميها الأكراد "كوباني" من قبل عناصر تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" المعروف إعلاميا بتنظيم "داعش"، وتحولت إلى الاشتباكات وأعمال الشغب والتخريب والحرق والقتل.

سقوط عشرات من القتلى والجرحى بالإضافة إلى كم هائل من الخسائر المادية دفع الناس إلى طرح هذا السؤال: "هل انهارت جهود المصالحة مع حزب العمال الكردستاني؟"، وبدأت أصوات ترتفع قائلة إن عملية السلام الداخلي انتهت، وزعمت مجلة الإيكونوميست البريطانية أن عملية السلام الداخلي التي طالما افتخر بها أردوغان بدأت تنهار بسرعة، إلا أن هؤلاء معظمهم لم يكن يوما من الأيام يريدون هذه المصالحة وأن ما قالوه مجرد أمنياتهم وليست الحقيقة عينها.

نعم؛ عملية السلام الداخلي تعرضت الأسبوع الماضي لهجوم خطير ولكن الحكم عليها بالانهيار غير صحيح في ظل رغبة الحكومة الصادقة في الاستمرار وانحياز زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان للمصالحة. وقبل هذا وذاك، والأهم من كل شيء، هناك تأييد شعبي واسع لعملية السلام سواء في صفوف الأتراك أو الأكراد حتى لا تعود تركيا مجددا إلى النفق المظلم الذي خرجت منه.

رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان في كلمته التي ألقاها يوم الجمعة الماضي في حفل افتتاح بعض المشاريع بمدينة طرابزون، شدد على أن عملية السلام لا رجعة عنها وأنه سيبذل كل ما بوسعه حتى آخر نفس له من أجل تأسيس الأخوة بين جميع المواطنين، كما أكد رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو أن الحكومة لن تسمح بأن تكون عملية السلام ضحية أعمال الشغب وأنها ستواصل جهود المصالحة بإرادة قوية.

وفي المقابل، زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان أيضا يؤيد حتى الآن عملية السلام وتدخَّل أكثر من مرة ليفشل محاولات عرقلتها، كما فعل الأسبوع الماضي، حيث بعث إلى قادة حزب الشعوب الديمقراطي رسالة كتبها بخط يده وطلب منهم التواصل مع الحكومة لإنهاء أعمال الشغب. وبعد وصول رسالة أوجلان غيَّر حزب الشعوب الديمقراطي لهجته وقال إنه يريد أن يحل المشاكل التي تهدد الشعب الكردي سواء في الداخل أو الخارج بالتعاون مع الحكومة التركية.

القيادي الكردي والبرلماني السابق خطيب دجلة أكَّد في برنامج تلفزيوني شارك فيه مساء الاثنين الماضي، إلى أن عملية السلام سوف تتم بنجاح على الرغم من وجود مساعٍ لعرقلتها، ولفت إلى محاولات "الكيان الموازي" لاختراق صفوف الأكراد وإفشال جهود المصالحة.

عملية السلام الداخلي ليست هشة حتى تنهار بسهولة، والحكومة التركية حين أطلقتها كانت على علم ووعي بأنها سوف تواجه خلال سيرها بهذا الاتجاه صعوبات كثيرة وكانت - وما زالت - مستعدة لمواجهة تلك الصعوبات. وهي بهذه الإرادة القوية، قدمت خطوات ملموسة وقطعت مسافة لا بأس بها نحو الهدف وهو إنهاء الصراع مع حزب العمال الكردستاني بشكل نهائي. وبعد ما وصلت الجهود إلى هذه النقطة، فإن الطرف الذي ينسحب من عملية السلام سيخسر بلا شك تعاطف الشعب الكردي الذي لا يريد أن يرى مزيدا من إراقة دماء أبنائه في صراع لا معنى له في ظل الإصلاحات الديمقراطية وإمكانية التعايش.

المجتمع الكردي يتابع عن كثب جميع الجهود المبذولة من أجل إحلال السلام والأمن والاستقرار في البلاد، ولا شك أنه سيوجِّه إلى كل من يسعى لعرقلة عملية السلام مثل هذه الأسئلة: "هل سيكون إفشال عملية السلام لصالح الأكراد أم لصالح قوى إقليمية ودولية؟"، وهل سيقاتل الأكراد من أجل النظام السوري الذي كان ينكر وجودهم أم من أجل إيران التي دأبت على إعدام ناشطين أكراد الفينة بين الفينة والأخرى؟"، ولن يرضى بأن يكون أبناؤه وقود حروب الآخرين.

لا شك أن عملية المصالحة مع حزب العمال الكردستاني تسير في طريق محفوف بالمخاطر ولكن الأطراف الراغبة في إنجاح المصالحة تدرك حجم هذه المخاطر. والمطلوب من تلك الأطراف الآن تقييم الوضع ومراجعة خارطة الطريق وسد الثغرات ورص الصفوف لتفويت الفرصة على جميع المتربصين بعملية السلام الداخلي.