نفضت أصوات الفلاحين صمت المكان وهم يقطفون أشجار
الزيتون التي اعترتها غبرة آليات الاحتلال، نساء ورجالا، يتوزعون بين أركان الشجرة المعمرة، يجمعون الثمار ويضعوها في أكياس كبيرة، ويتسابقون فيما بينهم أيهم يجمع أكثر.
أجواء من المحبة والمرح سادت المكان في جمعة عائلية لم تعش هذه الأجواء منذ زمن، من بينهم رجل سبعيني في عينيه حمرة حزن، يمسك أغصان الزيتون كأنها يد حفيد له، عينه على الشجرة وأخرى على المستوطنة التي لا تبعد عنه سوى أمتار، والمقامة على أرض قريته.
إنه موسم قطاف الزيتون في
فلسطين، الأرض تهتز بخطوات أصحابها، منهم من لم يدخل أرضه منذ سنوات بعد أن منعه الاحتلال، ومنهم من يقف على مشارف أرض كساها عرق أجداده ليجد المستوطنين وهم يقطفون أشجار زيتون عمرهما أكبر من عمر أجدادهم.
في قرية عورتا قرب نابلس شمال
الضفة الغربية المحتلة، يلخص عجوز مأساة الأرض والزيتون، يقول والدمع في عينيه: حضرت لأطمئن على أشجار مزرعتي، التي زرعتها قبل نحو نصف قرن، وصعقت عندما لم أجد إلا الحطب، وبقايا أشجار، بعد أن كانت مزرعتي تسر الناظرين.
وأشار نحو مستوطنة "ايتمار" المقامة على أراضي قريته، وقال: "من هناك أتوا كالجراد، رعاة بقر من المستوطنين، اجتاحوا مزرعتي، لتكون وجبة لبقرهم".
تناول العجوز "حطته وعقاله"، ورمى بهما نحو الأرض، وقال بحسرة: "ليش هيك بصير بأرضي؟ أين العرب والمسلمون؟".
من ذات القرية، يقول المزارع علي لولح بأن موسم الزيتون بدأ ثاني أيام عيد الأضحى المبارك، حيث تعرض شقيقه محمد (21 عاما) لاعتداء من جنود الاحتلال لدى اقترابه من أرض للعائلة تقع على سفح جبل مقابل لمستوطنة "ايتمار"، علما بأن الأرض "غير مصادرة" ولكن الاحتلال ينتقم من الأهالي منذ عدة سنوات بعد قتل عدة مستوطنين داخل المستوطنة، بحسب حديث لولح لـ"عربي21".
ويحرص المزارعون على قطف ثمار الزيتون على شكل جماعات قريبة من بعضها حتى لا ينفرد المستوطنون بأحد المزارعين والاعتداء عليه.
ولا يختلف حال قرية دير الحطب القريبة من عورتا من مضايقات الاحتلال، ويقول المواطن حسين قاسم لـ"عربي21"، إن قوات الاحتلال منعت أبناء قريته من الوصول لأراضيهم وأجبرتهم على مغادرة حقولهم القريبة من مستوطنة "الون موريه" شرق نابلس قبل الساعة الخامسة مساء بحجة منع الاحتكاك مع المستوطنين والتذرع بوجود أطفال مع الأهالي.
ومنذ بداية موسم قطاف الزيتون تم تخريب 100 شجرة زيتون في أراضي ياسوف جنوب نابلس و20 شجرة في أراضي عورتا وعشرات الأشجار في خربة يانون شرق عقربا بالضفة الغربية. وتم كتابة شعارات بالقرب من الحقول في ياسوف فيها تهديد بالمزيد من الاعتداءات.
وهناك تخوفات من تصاعد تلك الاعتداءات بعد انتهاء الأعياد اليهودية خاصة أن الموسم يشهد سنويا مهاجمة مزارعين في أغلب مناطق الضفة. وفق إفادة الناشط في الدفاع عن الأراضي ومواجهة
الاستيطان، زكريا السدة لـ"عربي21".
نصف مليون شجرة زيتون رهن الاعتقال
ويتوقع المهندس رامز عبيد، مدير دائرة الزيتون في وزارة الزراعة الفلسطينية، أن تنتج فلسطين 13 ألف طن من زيت الزيتون رغم أن شجر الزيتون هذا العام قليل الإنتاج، وهي نسبة تزيد قليلا عن استهلاك السوق الفلسطيني.
وأضاف لـ"عربي21" أن هناك 120 ألف دونم تقع خلف الجدار الفاصل ومناطق الحزام المحيط بالمستوطنات والتي من الصعب جدا قطفها أو العناية بها كونها لا تلقى العناية طيلة أيام العام والسماح بأيام محدودة فقط بقطف الثمار فيها ضمن تنسيق محدد بين جهات فلسطينية رسمية والاحتلال، وهذا يعني أن نصف مليون شجرة زيتون لا يمكن قطفها سنويا في فلسطين.
ونوه عبيد، أن اعتداءات المستوطنين تلعب دورا كبيرا في نقص محصول الزيت والزيتون من خلال عدة أساليب منها السلب للمحصول وحرق المزروعات أحيانا والاعتداء على العائلات أثناء قطف الزيتون ومنع المزارعين من الاقتراب من حدود المستوطنات.
وبدأ موسم قطف الزيتون بدأ في أغلب مناطق الضفة الغربية في الثالث من الشهر الجاري، ومن المتوقع أن ينتهي خلال شهر، فيما تبدأ مناطق أخرى قطف الزيتون في الـ20 من الشهر الجاري وتحتاج لشهر آخر للانتهاء منه.
إلا أن مدير الفروع في لجان الإغاثة الزراعية خالد منصور، يرى أن هناك ندرة في الإحصاءات الدقيقة حول حجم المنتوج الفلسطيني من الزيتون خاصة أنه يتم الإعلان سنويا عن زراعة أكثر من نصف مليون من أشتال الزيتون لكن لا يظهر ذلك واضحا في ارتفاع أعداد الأشجار المزروعة لعدم وجود تنسيق ووضوح في هذا الهدف.
وأضاف لـ"عربي21"، هناك تراجع في المنتوج الفلسطيني بسبب عدم تمكنهم من قطف كامل المحصول خاصة في القرى المتاخمة للمستوطنات، حيث تنفذ اعتداءات بحقهم ويتم إطلاق الرصاص عليهم وتخريب الأشجار كما حصل مؤخرا في خمس قرى في محافظة نابلس منها عقربا وبورين وياسوف وعورتا وبيت فوريك.
وتابع: "هناك مساحات ضخمة من الأراضي المزروعة بالزيتون لا يتم تقليم الشجر فيها والعناية طيلة أيام السنة بسبب ما يسمى (الإغلاق الأمني)، لها مما يؤدي إلى ضعفها وتلفها أحيانا والسماح بالدخول إليها بشكل محدد في أيام الموسم".
وبحسب تقديرات الإغاثة الزراعية فمن المتوقع أن يكون المحصول 40% من المعدل الطبيعي هذا العام، لكن في بعض المناطق الوفيرة قد يصل إلى 80%.
وأشار منصور، أنه سيتم الشروع بنشاطات تطوعية لمساعدة المزارعين في قطف ثمار الزيتون، وحددت الإغاثة الزراعية لوحدها 28 تجمعا سكنيا جلها في محيط المستوطنات.
يذكر أن مستوطني "ايتمار" أقدموا الخميس، على محاولة لسرقة الزيتون في منطقة يانون من أراضي بلدة عقربا شرق مدينة نابلس.
وذكر شهود عيان، أن المزارعين تصدوا للمستوطنين وجرت بينهم مشادة وعراك بالأيدي، وأكد المزارعون أنهم سيرابطون في أراضيهم وسيواصلون العمل بها وقطف ثمار الزيتون، رغماً عن المخاطر المحدقة بهم.
كما أفاد مواطنو بلدة عزموط شرق نابلس، أنهم فوجئوا صباح الجمعة، بإقدام مستوطني "ألون موريه" على اقتلاع أشجار من أراضيهم وتخريبها.