نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" تقريرا لمراسلها بورزو دراغي، عن مشاكل
الجيش العراقي وحل فيه معضلة الولايات المتحدة، التي تحتاج لإعادة تشكيله من جديد حتى يكون قادرا على مواجهة تنظيم الدولة المعروف بـ "
داعش".
ويشير الكاتب لتجربة الفرقة 30 من الكتيبة الأولى التابعة للواء رقم 1 من الجيش العراقي، التي رابطت في
الصقلاوية، وهزمت أمام قوات "داعش" الشهر الماضي، وهي الهزيمة الثانية بعد 13 حزيران /يونيو، مما يؤكد عدم تعلم القوات العراقية الدرس من مواجهاتها مع "داعش".
وأجرى الكاتب مقابلات مع قادة ميدانيين اشتكوا من ضعف التنسيق بين القيادة والجنود على الأرض، وكيف طلب منهم الاعتناء بأنفسهم أمام تقدم التنظيم، واضطروا إلى الهروب من الأراضي الواقعة تحت سيطرة "داعش" بعد تأخر الإمدادات.
وينقل الصحافي عن الرقيب حسن رزاق قوله "كل ما كنت أفكر فيه لحظة وصولهم هو إطلاق النار عليهم"، ولكن الذخيرة الحية التي كانت بحوزته ومن معه نفدت وبدأ الجنود بالانسحاب.
ويقول الكاتب إن كارثة الصقلاوية التي انهارت فيها وحدة من القوات العراقية، مثل ما حدث من انهيار في الموصل، أُثارت قلق المسؤولين في بغداد والاستراتيجيين الغربيين.
واعترف رئيس الوزراء العراقي الجديد حيدر العبادي بانهيار كامل للجيش العراقي، وضرورة بناء مؤسسات أمنية من جديد تأخذ على عاتقها مسؤولية هزيمة "داعش".
ويذهب الكاتب إلى أن هناك عدة خيارات مطروحة مثل إنشاء حرس وطني يتبع لكل محافظة من محافظات العراق الـ 18، وهناك حديث عن دمج المتطوعين الشيعة الذي لبوا نداء قادة الشيعة لحماية بغداد لوحدات الجيش العراقي، وهناك خطط لإعادة تدريب الجيش العراقي، حيث بدأت بعض الوحدات برنامج تدريب لمدة 3 أشهر.
ونقل عن قاسم عطا، المتحدث باسم الجيش العراقي قوله إن"التدريب السابق كان يستمر لمدة 45 يوما في ظروف ليست جيدة"، ولكنه أضاف "أعتقد أننا سنشاهد خلال الأشهر الستة القادمة تحولا، ونقوم الآن باستعادة بعض المدن والقرى خطوة خطوة".
ويعترف الكثير من مسؤولي الأمن العراقيين والقادة السياسيين أنهم يسابقون الوقت. فيجب أن يقوم العراق بإعادة خلق وتأهيل وإعادة تسليح قواته العسكرية قبل أن يثبت "داعش" من قوته. وفي نفس الوقت يحتاج الجيش العراقي لحماية المدنيين من السيارات المتفجرة ومن فرق الموت، التي تشرف عليها الميليشيات، والقيام بعمليات عسكرية ضد "داعش"، بحسب التقرير.
ويورد التقرير قول وزير الداخلية العراقي السابق جواد البولاني "لا يمكننا أن نقاتل ونبني في نفس الوقت، فنجن بحاجة لوقت كي نبني ونصلح المؤسسات، وهناك حاجة ماسة لدعم دولي، ولا يمكنك البناء تحت ضغط الإرهاب". وتهدف الغارات الأميركية إلى تفكيك "داعش" وإضعاف مصادره وفتح المجال أمام القوات العراقية لاستعادة تقتها بنفسها كي تعود للقتال من جديد.
ويرى المبعوث الخاص للأمم المتحدة في العراق نيكولاي مالدينوف أن العراقيين بحاجة "لإعادة بناء القوات المسلحة، وهم يحتاجون لعمل هذا بسرعة، ويحتاجون لدعم كبير وعليهم الإجابة على سؤال: من أجل ماذا يقاتلون؟".
ويعتقد الصحافي أن كارثة الصقلاوية تظهر التحديات التي تواجه الولايات المتحدة لهزيمة "داعش" دون أن تضطر لإرسال قوات برية إلى العراق.
ويلفت التقرير إلى أن الخبراء العسكريين الأميركيين يقدرون بأن نصف ألوية الجيش العراقي تحتاج لإصلاح. وتقدر وزارة الدفاع أن عملية الإصلاح تحتاج إلى عامين أو ثلاثة أعوام. وفي شهادة أمام الكونغرس قال الجنرال مارتن ديمبسي، رئيس هيئة الأركان المشتركة "يحتاجون لقيادات عسكرية تجمعهم- الجنود – معا، وبناء عسكري يجمعهم".
وتساءل انتوني كوردسمان، الباحث في معهد الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن "كم نحتاج لوقت كي نبني قدرات خاصة خارج المناطق الشيعية، وما هي سرعة بناء القوات العراقية ودفعها للتعاون فيما بينها؟ وما هو الوقت اللازم لإعادة بناء وزارتي الدفاع والداخلية؟ لا ندري".
ويرى الكاتب أن حادث الصقلاوية يظهر استمرارا في ثقافة العجز، التي كانت وراء انهيار وحدات من الجيش العراقي في حزيران (يونيو). فقد تعرضت نفس الكتيبة للهزيمة على يد "داعش" في 13 حزيران (يونيو)، حيث لم تستمع القيادة العامة لمطالب الجنود، "اعتنوا بأنفسكم" كان الجواب الذي تلقاه الرقيب رزاق. فالجيش يعاني من العجز وتدني المعنويات والفساد والمحسوبية، وفق الصحيفة.
وتبين الصحيفة رأي النقاد أن الطريقة التي تشكل فيها الجيش العراقي، وفشل القادة من التعلم من دروس الماضي، وصعوبة تحديد المشاكل قبل أن تستعصي على الحل، كلها أسباب جعلت الجيش يعاني من مشاكل انضباط داخل صفوفه.
وينقل التقرير عن موفق الربيعي، الذي عمل في السابق مستشارا للأمن القومي "لم يتم حتى الآن إلا إحالة عدد من الضباط السيئين على التقاعد، ولكننا بحاجة لعملية إصلاح كاملة للقوات الأمنية".
ويقول التقرير إن عددا من مقاتلي الكتيبة الـ 30 استطاعوا الهرب بعربات الهمفي والعودة إلى قواتهم، وبدلا من معالجة جراحهم والثناء عليهم اتهموا بالهرب، وهو ما أثار غضبهم، يقول رزاق "لقد قدمنا الكثير من التضحيات وعانينا، كانوا(داعش) يهاجموننا من جهتين، وكان هناك الكثير من الانتحاريين".
وتحت ضغوط من قادتهم عادوا للصقلاوية بعد أن تركها "داعش"، الذي تركها باعتبارها هدفا سهلا في الصحراء، بحسب الصحيفة.
ويختم التقرير بتساؤل بعض المسؤولين السابقين عن حكمة وضع جنود في قواعد صغيرة في مناطق بعيدة. ويقول بولاني "لا حاجة لوحدات عسكرية في مناطق معينة في العراق"، مضيفا "نريد أولويات، فعندما تنشر وحدات عسكرية صغيرة في مناطق واسعة، فالقوات العسكرية تكون ضعيفة، ويجب على القوات الأمنية الاعتماد على القوات المحلية في المنطقة. ولكن الحكم الشوفيني في بغداد والمعاملة السيئة للسنة أنهى التعاون بينهم وبين حكومة بغداد". ويقول الربيعي "(داعش) هو شبكة، وعلينا قتاله كشبكة".
وحدث نفس السيناريو، فعندما عاد "داعش" استخدم نفس الأسلوب، قنابل هاون وقصف مدفعي، ثم موجات من الانتحاريين وقناصة، وعندما طلب الجنود الدعم اتهموا بالمبالغة.