أمس ركبت مع سائق تاكسي في العاصمة الأردنية عمّان، وعلى غير عادة الشعب الأردني كان بشوشا، مبتسما.. بعد دقائق من ركوبي معه أمسك هاتفه واتصل على زوجته وقال لها: "شلونك يا الطَيّبة؟ أخبارك؟ صايمه اليوم؟.. الله يقويكِ، شو فطورك اليوم؟.. يلا صحتين، صحتين.. كيف أحمد؟ صحيح مش مزبّط بالامتحان؟.. ارفعوا معنوياته، ولا تخلي أخوه ليث يحكي عليه، احكوله إنه شاطر وبقدر، ديروا بالكم على نفسيته"..
قلت في نفسي: "يا رباااه.. ولا ألطف من هيك :'))"
ومن دهشتي منه، ولندرة وجود أمثاله، شاركت الموقف مع أصدقائي على "فيسبوك" وما أضحكني وأدهشني أكثر، هو ردة فعل الناس عند قراءة الموقف..
إحداهن قالت مستهجنة: "في الأردن؟؟ سائق تاكسي؟؟ زوجته؟؟ عنجد يا رباااااه".. والأخرى غير مُصدّقه قالت: "أووه جد !! في هيك؟".. وغيرها شككت في أن تكون زوجته، قالت: "لربما أخته"، وآخر قال: "متأكدة إنه ما كان طالع من ديسكو القلعة؟" معربا عن خيانة مسبقة من الرجل، لربما أراد بهذا الاتصال التغطية على سلوكه من وراء زوجته، وتلك قالت: "مش معقول.. يارب يتكاثروا".. وما أعجبني جدا قول أحدهم "حنّطوه"، بمعنى أنه شيء نادر وعلينا الاحتفاظ به كتمثال، كأحفورة كأي شيء؛ ليصبح مزارا يُتعظ بأفعاله!
لفتني حصول المنشور على نسبة إعجاب عالية مقارنة بغيره من المنشورات الموجودة، وهذا إن دلّ فإنما يدلّ على حاجة الناس لمثل هذه النماذج، أو فقدهم لأزواج كهؤلاء، ولربما إكبارا لتصرفه واحتراما لما فعله مع زوجته.. فكّرت مليّا بما يحتاجه مجتمعنا من اهتمام وعطف وحب، بما ينقصه من علاقات عميقة قريبة من القلب، متناسقة مع ما في الروح.
عند اقتراب نزولي من التاكسي، وددتُ لو أشكره على موقفه مع زوجته، أن أحيّيه وأقدّره، وخصوصا بعد اتصاله مع ابنه يوسف ليطمئن عليه إن كان قد تناول وجبة الغذاء مع جدته التي يزورها، وإن كان بصحة جيدة!
صراحة هَالني نُبله، فلم أعرف كيف أعبر له عن امتناني، ناولته الأجرة، ولم آخذ الباقي "عشرة قروش"، وقلت له شكرا ونزلت، ولهج وجدي بالدعاء: "الله يجبر خاطره، الله يرضى عليه".
الموضوع بسيط جدا، مُجرد اتصال فيه اطمئنان ودفء واهتمام، ترك على وجوه الكثيرين الصدمة والحيرة في أمره، وعدم التصديق، والاتهام، وغيرها من ردود الأفعال..!
ما المشكلة في أن يهتم الرجل بزوجته، والزوجة بزوجها؟
وما الخطب الجلل الذي سيحدث في حال اطمأن الرجل على زوجته كل يوم من مكان عمله؟ هل سيخسر شيئا؟ على العكس تماما، سيكسب نفسه وزوجته، وحبه لعمله ولها، وستتعمق علاقته بها أكثر، وستشعر أن ما فعله كرم عظيم منه، وستحاول كثيرا أن تفعل ما يحب، لأنها شعرت باهتمامه وإجلاله لها.
وإلى الآن أقول في نفسي: الله يجبر خاطره.