ميدان التحرير في قلب العاصمة
اليمنية، الذي كان رمزا لثورتها الأولى في سبتمبر/ أيلول 1962، ومنطلقا لثورتها التي خرجت ضد الرئيس المخلوع على عبدالله صالح في 2011 بات هدفا للحوثيين الذين أحكموا سيطرتهم على
صنعاء، فهل يمحو الزحف
الحوثي على ميدان التحرير ذاكرة ثورتين؟
فبعد أن أحكمت جماعة الحوثي المسلحة قبضتها على مفاصل الدولة اليمنية باجتياح شامل للعاصمة صنعاء، وبعد يوم من احتفالها بما وصفته بـ "يوم النصر" وإسقاط الجغرافيا، بدأت الجماعة التي يُنظر اليها بأنها امتداد للحكم الإمامي الذي سقط قبل 52 عاما زحفها على ميدان التحرير، رمز ثورة 26 سبتمبر/ أيلول التي أطاحت بالحكم الملكي لليمن في العام 1962.
وحشدت جماعة الحوثي، الثلاثاء، أنصارها إلى ميدان التحرير، في قلب العاصمة صنعاء، للاحتفال باجتياحهم المسلح لها، وهو الميدان الذي ظل طيلة خمسة عقود رمزا للثورة اليمنية السبتمبرية حيث توقد منه "شعلة الثورة " عشية يوم 26 سبتمبر/ أيلول من كل عام، كما يحتوي "الدبابة" التي قصفت "قصر البشائر" التابع للإمام البدر نجل الإمام "أحمد حميد الدين"، آخر أئمة الدولة المتوكلية في اليمن.
وقطعت جماعة الحوثي جميع الشوارع المؤدية الى ميدان التحرير، عصر الثلاثاء، وجهزت لاحتفال ألقى فيه زعيم الحوثيين "عبدالملك الحوثي"، كلمة متلفزة، نقلتها قناة "المسيرة" التابعة للجماعة عبر شاشات عملاقة نصبت في المكان.
وأعلن زعيم الحوثيين عن الاحتفال بـ 21 سبتمبر/ أيلول، كيوم وطني، وهو اليوم الذي سقطت فيها صنعاء في يد جماعة الحوثي المسلحة بعد معارك عنيفة توجت أسابيع احتجاجية نفذها الحوثيون، وذلك قبل أيام من الاحتفال بالذكرى الـ 52 لثورة 26 سبتمبر/ أيلول التي قامت في شمال اليمن وطوت الحكم الإمامي.
الباحث والمحلل السياسي، محمد ناجي أحمد، يرى أن "الحوثيين سيوقدون شعلة 26 سبتمبر/ أيلول في اليومين القادمين، إعلانا بانتصارهم عليها، لأنهم لازالوا بحاجة إلى غفلة الناس كي يسرقوا شعلة الثورة السبتمبرية من قلوبهم وعقولهم."
وفي يناير/كانون الثاني 2011، بدأ شباب الثورة الشعبية التي نادت بالإطاحة بنظام الرئيس المخلوع علي صالح بالزحف إلى "ميدان التحرير" في قلب العاصمة صنعاء، لما يحمله من رمزية تحررية من أنظمة الظلم والطغيان , لكن النظام السابق قمع المتظاهرين , و سيطر عليه بمخيمات كبيرة لأنصاره استمرت عدة أشهر, فيما اتجه شباب الثورة الى ساحة قريبة من جامعة صنعاء وأطلقوا عليها "ميدان التغيير" .
الكاتب الصحفي، جمال حسن، قال "التحرير رمز لثورة سبتمبر, لكن الحوثي يسعى إلى اقتلاع المكان من مضمونه التاريخي وطمس هويته وإعادة صياغته ضمن تاريخ الجماعة".
وأضاف حسين "ربما في المستقبل يغيرون حتى اسمه، أو أن التحرير كمضمون ثوري، سيعيدون نسبه إليهم فقط، وطمس ثورة سبتمبر/ أيلول من الذاكرة، بإحلال بديلها الخاص بهم، أي 21 سبتمبر/ أيلول، كبديل لـ 26 سبتمبر/ أيلول، بكل أبعادها ".
وتحدث زعيم جماعة الحوثيين في خطابه المتلفز عما وصفها بـ "الثورة العظيمة والمباركة والمنتصرة" التي عبرت عن الشعب في مطلبه وحقوقه، في إشارة إلى الاجتياح المسلح الذي انتهى بإسقاط مقرات الخصوم العسكريين لهم أمثال اللواء علي محسن الأحمر وزعماء قبليين من آل الأحمر، الذين ساندوا الدولة في حروبها الستة ضد جماعة الحوثي في صعدة شمالي البلاد، ما بين 2004 و 2009م .
و أعلن زعيم الحوثيين عن مد يد السلام لحزب التجمع اليمني للإصلاح، بعد استهداف مسلحي الجماعة لقيادات الحزب العليا ومقراته في العاصمة صنعاء خلال اليومين الماضيين، كما أكد على استمرار ما وصفها بـ" الثورة "، داعيا أنصاره إلى الاحتشاد يوم الجمعة القادمة لـ "صلاة النصر"، في ميدان المطار، وهو ما وصفه مراقبون بالخروج عن اتفاق السلام الذي جرى توقيعه الأحد الماضي.
وحول احتمال أن يمتد الاجتياح الحوثي إلى خارج العاصمة صنعاء، يقول الصحفي اليمني جمال حسين، إن تحذير زعيم الحوثيين لمحافظات مأرب، شمال شرقي البلاد, والبيضاء (وسط)، هي رسالة تتضمن استعداد جماعة الحوثي لتدشين حرباً هناك، للسيطرة على تلك المناطق، و تأمين الجغرافيا القبلية، ثم بسط السيادة على اب، تعز، والحديدة (وسط وغرب البلاد), لأنها ستسقط بسرعة كبيرة.
ورث عبد الملك الحوثي، زعامة جماعة "أنصار الله" الشيعية المعروفة بـ"الحوثي" في اليمن، عن أخيه الذي قتلته القوات الحكومية في العام 2004، لكن الشاب الثلاثيني استطاع في ظرف 10 سنوات تحويل جماعته من حركة ثقافية "مجرّمة" إلى " قوة ضاربة" فرضت مشهداً سياسياً جديداً على أعتاب وداخل عاصمة صنع القرار في البلاد .
ونشأت جماعة الحوثي في العام 1992 على يد مؤسسها "حسين بدر الدين الحوثي"، لكن الحركة التي اتخذت في مشوارها القصير تسميات عديدة ابتداء بـ" جماعة الشباب المؤمن، المسيرة القرآنية، جماعة الحوثي، انصار الله "، يأخذ عليها مناؤوها وجود تناقضات بين خطابها المعلن وسلوكها على الارض، خصوصا ما يتعلق بتحركاتها السياسية والمذهبية.
و تمددت قوة الحوثيين أكثر بعد سيطرتهم الكلية على محافظة صعدة شمالي البلاد، وطرد الجماعات السلفية التي كانت تشاركهم في معقلهم الرئيس، حيث أحكموا في يوليو/تموز الفائت القبضة على محافظة عمران (شمال) المحاذية لمحافظة صعدة، وأسقطوا قبائل حاشد ومعسكر اللواء 310.
ومنذ منتصف أغسطس/آب الفائت, بدأت جماعة الحوثي بتنفيذ ما سموه "تصعيد ثوري" للمطالبة بـ "إقالة الحكومة والتراجع عن قرار رفع أسعار الوقود"، حيث أقاموا مخيمات اعتصام داخل العاصمة صنعاء ومحيطها بينها "مخيم الحصبة" المجاور لثلاث وزارة هامة هي ( الداخلية، الكهرباء، الاتصالات )، و" مخيم الصباحة" المسلحة على طريق صنعاء الحديدة، ومخيم أخر على طريق مطار صنعاء الدولي.
كما قاموا بتعزيز وجود أنصارهم في منطقة "حزيز" التي تتحكم في المدخل الجنوبي للعاصمة وتربطها بمحافظات وسطى وجنوبية، نتهت بـ" اجتياح " العاصمة صنعاء واسقاطها كليا يوم 21 سبتمبر/أيلول الجاري، بعد معارك لأيام مع قوات عسكرية انتهت بمئات القتلى والجرحى من الطرفين.
وتحت وطأة اجتياح عسكري "حوثي" لصنعاء، وقع الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، قبل يومين، على اتفاق مع جماعة أنصار الله، المعروفة إعلاميا باسم "الحوثي"، بحضور مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن، جمال بن عمر، ومندوبي الحوثيين، وبعض القوى السياسية اليمنية.