فيروس "إيبولا" الذي يهزّ عددا من دول الغرب الأفريقي لم يتسبّب في تأجيل المواعيد الانتخابية وإغلاق الحدود وفقدان الأرواح البشرية فحسب، بل امتدّت تأثيراته غير المباشرة لتعبث بمواعيد العودة المدرسية في كلّ من غينيا كوناكري وليبيريا وسيراليون ونيجيريا، الدول الأكثر تضررا من الحمى النزفية، ليعيد هذا
الوباء القاتل تشكيل إحداثيات الحياة على طريقته، حتى فيما يتعلّق برجوع الطلاب إلى مدارسهم وجامعاتهم.
في نيجيريا، أعلن وزير الصحة "أنيوبوتشي تشوكو"، في 6 أيلول/ سبتمبر الجاري، أنّ المدارس الابتدائية والثانوية ستفتح أبوابها الاثنين 22 أيلول/ سبتمبر.
موعد يأتي عقب قرار صادر عن الحكومة الفيدرالية (الاتحادية) في البلاد، والتي تجمع تحت رايتها جميع مؤسسات التعليم الابتدائي والثانوي، الخاصّ منها والحكومي، حددت من خلاله الاثنين 13 تشرين الأول/ أكتوبر موعدا للعودة المدرسية، وذلك تحسّبا لانتشار فيروس إيبولا في صفوف الطلاّب والأساتذة.
غير أنّ السلطات النيجيرية وجدت في "التقدّم الملحوظ" على مستوى التدابير المتّخذة للتصدي للوباء، تبريرا مقنعا لتقديم موعد عودة الطلاب إلى مدارسهم (من 13 تشرين الأول/ أكتوبر إلى 22 أيلول/ سبتمبر.
لكن حتى هذا القرار لم يحظ بإجماع مختلف الأطراف الفاعلة في نيجيريا، حيث لقي معارضة من قبل نقابة الأساتذة (مستقلة)، والتي دعت أعضاءها إلى مقاطعة العودة المقرّرة الاثنين، مؤكّدة –بحسب تقديرها- أنّ الحكومة الاتّحادية لم تتخذ الاحتياطات اللازمة والضامنة لعدم التقاط الأطفال للفيروس.
وانضمّت "الجمعية الطبية النيجيرية" (مستقلة)، أبرز النقابات الطبية في نيجيريا، إلى صف المعارضين لهذا القرار.
كما أعلنت ولاية "ريفرز" الواقعة جنوبي البلاد أنّ العودة المدرسية ستكون في السادس من تشرين الأول/ أكتوبر، في جميع المدارس والمعاهد الموجودة على أراضيها، في تحدّي سافر لقرار الحكومة الاتحادية الصادر بهذا الشأن.
أمّا في كلّ من ليبيريا وسيراليون، فقد قرّرت السلطات في البلدين ابقاء المدارس مغلقة لأجل غير مسمى، بسبب تفشي فيروس إيبولا، ما يعني أنّ حوالي 3.5 مليون من طلاّب المدارس والمعاهد الثانوية سيحرمون من العودة إلى قاعات دروسهم، بحسب بيانات منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسيف" الصادرة في أحدث تقاريرها.
ففي سيراليون، قررت السلطات، بداية شهر أيلول/ سبتمبر الجاري، عدم فتح المدارس والمعاهد الثانوية، كدأبها في مثل هذه الفترة من كلّ سنة، لافتة إلى أنّ قرارها يشكّل "إجراء أمنيا طارئا"، يهدف إلى منع انتشار الفيروس في الصفوف الطلاّبية.
وفي ليبيريا حيث أودت الحمى النزفية بحياة 1459 شخص من أصل 2720 حالة مؤكّدة، وفقا لأحدث تقارير منظمة الصحّة العالمية الصادرة في 14 أيلول/ سبتمبر الجاري، لم تعلن الحكومة الليبيرية عن أيّ تاريخ لعودة طلاّبها إلى المدارس، وذلك منذ أن قرّرت تعليق الدروس، في 31 تموز/ يوليو المنقضي، جرّاء فيروس إيبولا.
مصدر من منظمة الأمم المتحدة للطفولة في ليبيريا (لم يذكر اسمه)، قال في تصريح للأناضول، إنّ "وزارة التربية في ليبيريا تعمل بشكل وثيق مع اليونيسيف، وشركاء آخرين في قطاع التعليم، لإطلاق برامج مدرسية عبر الراديو، وذلك بهدف عدم ترك الطلاّب بعيدا عن الدروس خلال الشهرين المقبلين".
وأضاف "يتمّ حاليا تطوير البرامج المدرسية المعنية، ومن المقرر إطلاق الدروس عبر الراديو في 29 أيلول/ سبتمبر الجاري".
وفي غينيا كوناكري، لا يختلف الوضع كثيرا عن سابقه.. ففي هذا البلد الذي يعتبر وكر الوباء، حيث أودى بحياة ما لا يقلّ عن 601 شخص من جملة 942 حالة مصابة بالحمى النزفية، أعلنت السلطات الغينية، في 4 أيلول/ سبتمبر، تأجيل العودة المدرسية إلى "موعد لاحق" لم تحدّده.
قرار يأتي في خضمّ التدابير الوقائية الصارمة التي تفرضها حالة الطوارئ الصحية المعلنة في البلاد، على خلفية انتشار الفيروس، غير أنّه أثار ردود أفعال متباينة من قبل مختلف الفاعلين ضمن النظام التربوي الغيني.
ومن جانبه، وفي محاولة للتوصّل إلى نقطة إلتقاء بين مختلف ردود الأفعال، أكّد المدير الوطني للتعليم الابتدائي في غينيا "ألفا مامادو ديالو" أنّ اجراءات ستتخذ لتعويض هنذا التأخير في افتتاح السنة الدراسية الحالية.
فبالنسبة له، فإن هذا القرار الصادر عن الوزراء الثلاث المعنيين (وزير التربية، وزير التعليم العالي ووزير الصحة) لن يكون له بالضرورة تأثير سلبي على العام الدراسي 2014-2015.
ولفت "ديالو" إلى أنّ "هذه ليست المرة الأولى التي نؤجّل فيها العودة المدرسية في بلادنا"، مشيرا إلى إمكانية تأجيل موعد نهاية السنة الدراسية الحالية أيضا.
ويجد "ديالو" في هذا التأجيل ضرورة تحتّمها ما يتطلّبه "اتخاذ التدابير اللازمة لحماية الطلاّب والمدرّسين من فيروس إيبولا" من وقت، قبل أن يتابع حديثه، محاولا شحن كلماته ببعض التفاؤل، قائلا "في صورة حصولنا على معدّات الوقاية، فقد تنطلق الدروس في شهر تشرين الأول/ أكتوبر المقبل".
وفي سياق متصل، رأى أستاذ اللغة الفرنسية بمعاهد العاصمة كوناكري " مصطفى كيتا" في تصريح للأناضول أنّه بالإمكان لمس مدى تأثير هذا التأجيل سواء على الأساتذة أوأولياء التلاميذ، مؤكّدا أنّ الأمر يشكّل "صداعا حقيقيا، من منطلق حرصنا على العودة إلى المدارس"، بما أنّ معظم الأساتذة يعيشون بالاعتماد على مرتباتهم التي يحصلون عليها لقاء تقديم الدروس.
ومن ناحية الأولياء، أعرب "بوبكر ديالو"، وهو والد لأطفال في المدرسة، عن قلقه من التأثيرات التي قد تنجم على تأجيل الدروس، على مجرى الحياة الدراسية لأطفاله، قائلا "الغريب أنّ السلطات لا تتحدث إلا نادرا عن العودة المدرسية"، قبل أن يستدرك "لكن وبما أنّ الأمر يتعلّق بقوّة قاهرة، فلا يسعنا فعل شيء"، دون أن يخفي مخاوفه من إمكانية انقضاء سنة دراسية بيضاء، أي دون عودة مدرسية في غينيا لهذا العام.