يعيد إنتاج مفردات سبق أن استخدمها الجنرال عبد الفتاح السيسي في مصر، وغيره من الحكام العرب.
فالتيار الإسلامي عنده يقوم "باستغلال الإسلام لتحقيق مصالحه الخاصة" و"أجنداته المغلفة باسم الدين"، على حد وصفه، معربا في ذات الوقت عن استعداده للتحاور مع "الأطراف المعتدلة التي لم تتلطخ أيديها بدماء الليبيين". هل سمعنا كلاما مشابها من قبل في عاصمة عربية أخرى!
دون أن نعرف حقا أن كان ثمة من لم تتلطخ أيديهم بالدماء في بلد تنتشر بين أيدي مواطنيه ستة ملايين قطعة سلاح.
كما أنه لا يمانع في التدخل الأجنبي لفض "الاشتباك الداخلي في
ليبيا"، مقترحا على وزير الخارجية الأميركي جون كيري أن تقوم الولايات المتحدة بالمساعدة على إعادة الاستقرار بـ"الضغط على مختلف الأطراف المتحاربة"، وإلى "تعزيز قدرات الجيش والشرطة الليبية".
كما أنه لا يمانع في تواجد قوات عربية أو إفريقية أو أممية لمساعدة أجهزة الدولة في "بسط سيطرتها على الأوضاع في البلاد".
وبدا كما لو كان وزيرا لداخلية الإمارات حين دافع عن اعتقال أبو ظبي لعدد من الليبيين، وسارع إلى تبرئة الإمارات ومصر من تهمة القيام بغارات جوية ضد مواقع للإسلاميين في ليبيا أواخر أغسطس/ آب الماضي، حتى قبل أن يصدر أي رد فعل إماراتي، قائلا: "لا يمكن الزج بها لا هي ولا مصر".
عبد الله
الثني المولود عام 1954 في كانو، نيجيريا، حيث كان والده يعمل هناك، رئيس وزراء ليبيا في حكومتين، واحدة مؤقتة وأخرى شبه مؤقتة، شغل قبل تسلم رئاسة الحكومة منصب وزير الدفاع بوزارة علي زيدان، حين عينه المؤتمر الوطني العام بالانتخاب على خلفية أحداث عنف في طرابلس في آب/ أغسطس عام 2013.
وحين كلف في المرة بتشكيل الحكومة المؤقتة في آذار/ مارس الماضي، انبرى اللواء سالم قنيدي رئيس الأركان الليبي السابق ووكيل وزارة الدفاع المستقيل للهجوم على المؤتمر الوطني العام بسبب تكليفه الثني كرئيس للحكومة، ورأى أنه كان الأجدر محاكمة الثني عوض تقليده هذا المنصب بسبب الوضعية السيئة التي وصل إليها الجيش الليبي عندما كان وزيرا للدفاع والتي لم يصل إليها قط عبر تاريخه، بحسب قنيدي.
متخرج من الكلية العسكرية عام 1976 تخصص دبابات، وحصل على مؤهل قانوني من الجامعة المفتوحة، سجن عدة مرات من قبل خليفة مصباح مدير الاستخبارات الليبية، بسبب هروب أخيه الرائد طيار بشير الثني بطائرته إلى مصر احتجاجا على الحرب في تشاد.
واجه عبد الله الثني بعد أن أعاد مجلس النواب الليبي تكليفه بتشكيل الحكومة للمرة الثانية في أيلول/سبتمبر الحالي العديد من التحديات والعقبات، أبرزها حفظ الأمن والاستقرار وبناء الجيش ومؤسسات الدولة.
وكان مجلس النواب الليبي المنتخب كلف الثني بتشكيل الحكومة في جلسة عقدها عدد من أعضائه بطبرق، لكن المؤتمر الوطني العام اجتمع في طرابلس بعد أن دعته قوات "فجر ليبيا" لممارسة عمله، وأكد أن تكليف الثني برئاسة الحكومة غير قانوني.
ويرى عضو تحالف القوى الوطنية أحمد الهمالي أن تكليف الثني برئاسة الحكومة من أفضل الحلول المتاحة لمعرفته بمفاصل الدولة وكيفية إدارة الملفات العالقة، على حد قوله، وتحظى حكومة الثني بدعم إقليمي (مصر) وخليجي في إدارة البلاد وتجاوز المرحلة الحالية، وهو أقرب إلى تيار الجنرال
حفتر.
وردا على تكليف الثني، كلف المؤتمر الوطني العام، عمر الحاسي بتشكيل حكومة أزمة، مما يعني وجود حكومتين وبرلمانيين في البلاد من الناحية العملية على الأقل، وهو ما يهدد بشق الصف الليبي وقد يقود لتقسيم البلاد.
وسيصطدم الثني بانتشار المجموعات المسلحة داخل المدن، وتحديدا في طرابلس وبنغازي ووجود "كيان آخر مشابه يتمثل في حكومة الإنقاذ الوطني برئاسة الحاسي"، ويتساءل كثيرون لمن تكون الصلاحيات ولمن ستعطى الميزانية، خصوصا وأن حكومة الحاسي تحظى بتأييد شعبي كبير ولا سيما في المنطقة الغربية من ليبيا.!
الصراع في بنغازي يضع عقبة قوية أمام الثني، خصوصا بعد شلّ الحياة فيها ونزوح الكثير من العائلات عنها بسبب القصف العشوائي والمعارك الدائرة بين قوات "عملية الكرامة" و"مجلس شورى
الثوار"، وبات جليا أن الصراع الدائر بين الأحزاب السياسية بدأ يظهر على السطح ويلقي بظلاله على المواطنين، وانقسم الشارع الليبي بين مؤيد ومعارض لتكليف الثني.
ويقول مطلعون على الوضع الليبي إن الثني ليس مؤهلا لإدارة المرحلة ولم يحقق إنجازات تذكر تستدعي إعادة تكليفه، كما أنه يأخذ مواقف "متطرفة"، بحسب وصفهم، من التيار الإسلامي بالمؤتمر الوطني العام.
وأصبحت ليبيا على شفا الفوضى بسبب اقتتال ثوار سابقين ساعدوا في الإطاحة بمعمر القذافي في انتفاضة دعمها حلف شمال الأطلسي عام 2011، لكنهم واصلوا الحرب فيما بعد لوضع الأجندة السياسية في البلاد والسيطرة على احتياطيات النفط الكبيرة فيها.
ويعتقد آخرون أن عبدالله الثني ليس غريبا عن المشهد الأمني في ليبيا فقد كان لأكثر من عام وزيرا للدفاع قضى منها أشهرا بين الحج والاعتمار بعد اختطاف ابنه من قبل مسلحين "مجهولين" في وقت كان فيه عناصر الجيش الليبي يذبحون في الشوارع، كما أنه لم يكن أبدا الرجل القوي في حكومة زيدان، ولم يكن أبدا مؤثرا في المشهد العسكري بليبيا.
وكان يتعرض لانتقادات مستمرة ولاذعة من ضباط الجيش الليبي لكونه لم يقم بأي إجراءات حقيقية تهدف إلى إعادة تأسيس الجيش الوطني على عقيدة سليمة.
رغم كل هذه الانتقادات فإن الثني قادر على إسكات كل هذه الأفواه، وذلك في حالة وحيدة لو تمكن من إعادة الأمن إلى ليبيا بالقضاء على "المليشيات الخارجة عن القانون" وإعادة الهيبة إلى مؤسسات الدولة؛ أما إذا حدث عكس ذلك فإن مصيره لن يختلف كثيرا عن مصير زيدان.
ولا يبدو الثني في طريقه إلى تسوية وطنية تشمل جميع الأطراف، فهو حين يصدر أحكاما مسبقة بحق التيار الإسلامي، ويعلن صراحة انحيازه لقوات حفتر ولمحور الإمارات-مصر-السعودية، يغلق الباب في وجه المصالحة الوطنية التي تتطلب وجود شخصية محايدة إيجابيا لا تنظر دائما إلى خارج حدود ليبيا.