محمود الشاب
الحلبي الذي يرعى ثلاثة من إخوته الصغار كان يبحث عن عمل، هذا ما أذكره عنه منذ عام من اليوم، فمحمود كان قد فقد والده الذي أرداه برميلٌ متفجر صريعاً أمام بيته أثناء عمله كبائع متجول، وبقي محمود المعيل الوحيد لأمه و إخوته الأربعة التي تكبرهم صبيحة ذات الثمانية عشرة عاماً.
يقول محمود، "ولدتُ في هذا المنزل الصغير المكوّن من غرفة واحدة، و لم أستطع أن اكمل تعليمي بسبب الفقر الذي أعتدنا عليه وحاولنا دائماً أن نخفف من وطأته، وعندما بدأت المظاهرات في حلب شاركت فيها حالماً بتغيير وضعنا الاقتصادي، ولكن الحالة أصبحت لا تطاق، وأعرف أنها فترة مؤقتة ولكنني بدأت أفقد الأمل بأنني سأعيش في غير هذه المرحلة المؤقتة".
سمحت أم محمود لابنها أن ينتسب للجيش الحر بعد موت والده و لكن بشرط أن يكون قريباً من البيت وأوصت أصدقاءه بذلك، واستمر محمود بالوقوف على حاجز يتبع لمخفر قريب من بيته في مناطق سيطرة المعارضة، و لكنه كان يهرع للمساعدة إن أتاه خبر سقوط برميل أو ما شابه.
لم يعد بإمكان محمود الركض بعد اليوم، إذ فقد ساقه اليسرى في آخر مرة ركض ليساعد فيها الأهالي، فقد ألقت الطائرة المروحية برميلاً مستهدفتاً حشداً من المنقذين وسكان الحي في بستان القصر، ولم يعتد محمود على العكازات بعد، و لكنه أخبرنا مبتسماً بأن هناك من سيساعده بتركيب قدم صناعية ليستطيع بعدها العودة إلى عمله.
آخر مرة شوهد فيها محمود كان يجلس إلى جوار عكازتيه على رصيف مقهى إنترنت يحاول الوصول إلى من يستطيع مساعدته، و قال لي أنظر إلى هذا الفيديو الذي يصورني عندما أصيبت قدمي، انظر كل من حولي ماتوا وأنا سبقتني قدمي، و لا أعرف متى سألحق بها، فنحن في مدينة حلب نعيش "بالصدفة" كما يقول.