في كل خطوة يخطوها المزارع الفلسطيني، يوسف بَرْبَخ، في أرضه الزراعية، تطأ قدماه على الآلاف من حبات الزيتون التي ملأت المكان، وينظر بحسرة إلى العشرات من أشجاره المتكسرة والملقاة فوق بعضها البعض.
ويقول بَرْبَخ، وهو يلتقط غصن زيتون دفن جزء منه أسفل الرمال: "لم يتركوا أي شيء.. لقد جرّفت الدبابات الإسرائيلية كل شبر من الأرض التي أملكها، وأصبحت الآن بلا مصدر رزق".
ويضيف بَرْبَخ للأناضول: "في مثل هذا الوقت من العام، كان يفترض أن تكتسي أرضي باللون الأخضر، واستعد لحصادها، أنا وعائلتي وأصدقائي، أما الآن.. انظروا.. تبدو كصحراء قاحلة.. هذه الأرض مصدر دخل لـ 25 فردا".
ويتابع بربخ "زراعة الزيتون مهنتي منذ 30 عاما، أعيش منها أنا وأسرتي.. هي حياتنا"، متسائلا :"كيف سنعيش الآن؟ لو أعطونا مال الدنيا لن يُغنيني عن أرضي".
واقتلعت الجرافات والدبابات الإسرائيلية، كافة أشجار الزيتون، في أرض بَرْبَخ، التي تبلغ مساحتها 10 دونمات (الدونم 1000متر مربع)، خلال اجتياحها البري لمدينة رفح، جنوب قطاع غزة، أثناء الحرب الإسرائيلية التي بدأت 7 يوليو/ تموز الماضي واستمرت لمدة 51 يومًا.
وكان بَرْبَخ ينتظر بفارغ الصبر موسم حصاد الزيتون، ليسد من ربح ثماره، قليلا من ديونه.
وليس بعيدا عن المزارع "يوسف بَرْبَخ"، يجلس قريبه "إبراهيم بَرْبَخ "، الذي فقد هو الآخر بستانه المزروع بأشجار الزيتون، على يد الجيش الإسرائيلي.
ولم يفقد بربخ أرضه الزراعية التي تبلغ من المساحة 7 دونمات فحسب، فقد حوّلت الدبابات الإسرائيلية منزله الذي يقع بجوار الأرض، إلى كومة ركام.
ويقول بربخ متحدثًا للأناضول: "من أين سأجلب المال والطعام لعائلتي، أصبحت بلا مأوى وبلا عمل، لقد كانت الأرض تدر لنا دخلا بقيمة 3 آلاف دولار سنويا".
ويضيف: "حتى تعود أرضي التي يقدر عمرها بـ 20 عاما إلى حالها نحتاج مبالغ كبيرة، وإلى ثلاث سنوات كي تنتج محصولا، ففي العام الأول نزرع شتلات الزيتون، وفي العام التالي تثمر الأشجار قليلا، ولا نحصل على الزيتون إلا في العام الأخير".
ويتابع بربخ بنبرة ألم: "شقيقاتي وأقاربي وأصدقائي كانوا يترقبون اقتراب موسم القطاف، للاستمتاع بطقوسه، حيث نجتمع في الأرض منذ الصباح، ونغني الأغاني الشعبية".
ويجلس المزارع أحمد حسين، ينظر بحسرة على 6 دونمات، مزروعة بالزيتون، أصبحت أثرا بعد عين، وبدلاً من أن يستعد حسين، لأجواء قطف ثمار الزيتون هذا العام، يكتفي بتأمل أرضه، واسترجاع ذكرياته فيها.
ويقدر حسين، الأب لخمسة أبناء، أصغرهم في الثانية من عمره، قيمة خسائره بـ 10 آلاف دولار أمريكي.
ويقول: "لقد فقدت كل شيء، عندما جرّفت الدبابات الإسرائيلية أرضي، أصبحنا بلا دخل، وسنكون في عداد الفقراء".
ويضيف: "كنت أملك قرابة الـ 200 شجرة زيتون، الواحدة منهنّ تدر 20 لترا من الزيت، وتباع بقرابة الـ 150 دولارا".
وتتميز فلسطين بزراعة أشجار الزيتون الذي يعد هو وزيته، طبقا يوميا أساسيا في طعام السكان منذ مئات السنيين، ويشكل محصولها مصدر دخل للعديد من الأسر.
ويبدأ موسم قطف الزيتون، أواخر شهر أيلول/ سبتمبر من كل عام، مقترنا باحتفالات رسمية وشعبية، حيث يحرص القادة السياسيون على المشاركة الرمزية في حصاده.
ولا يحمل موسم قطاف الزيتون بعدا اقتصاديا فحسب، بل يعتبر جزءا أساسيا من التراث الفلسطيني، الذي يتوارثه السكان، أبا عن جد.
كما تحمل شجرة الزيتون، بعدا رمزيا ووطنيا، يتعلق بتمسك الفلسطينيين بأرضهم، في وجه المحاولات الإسرائيلية المتواصلة للسيطرة على أراضيهم، وبناء المستوطنات عليها.
وشنّت إسرائيل حربا على قطاع غزة، في الـ 7 تموز/ يوليو الماضي، استمرت 51 يوما، أسفرت عن استشهاد 2152 فلسطينيا، وإصابة أكثر من 11 ألفا آخرين، وفق مصادر طبية فلسطينية.
وفي 26 آب/ أغسطس الماضي، توصل الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي إلى هدنة طويلة الأمد، برعاية مصرية، تنص على وقف إطلاق النار، وفتح المعابر التجارية مع قطاع غزة، بشكل متزامن، مع مناقشة بقية المسائل الخلافية بعد شهر من الاتفاق.
وتقول وزارة الزراعة الفلسطينية إن قيمة الخسائر والأضرار الأولية في القطاع الزراعي جراء الحرب الإسرائيلية، تقدر بـ 550 مليون دولار أمريكي.
وأضافت الوزارة، في تصريحات سابقة لها، إن آلة الحرب الإسرائيلية ركزت بشكل مباشر في استهدافها تجريف
الأراضي الزراعية على بساتين الزيتون.