كتاب عربي 21

انتخابات تحت التهديد

1300x600
كل المؤشرات تدل على أن الانتخابات البرلمانية والرئاسية في تونس لن تجري في ظروف طبيعية. فوزير الداخلية لطفي بن جدو قد أعلن قبل أيام قليلة أن هناك تهديدات إرهابية جدية للانتخابات التي ستشهدها البلاد في تشرين الأول/ أكتوبر وتشرين الثاني/ نوفمبر المقبلين، مؤكدا استعداد الحكومة للتصدي لها. 

ولم يمض على هذا التصريح سوى فترة وجيزة حتى سجلت محاولة اغتيال النائب بالمجلس الوطني التأسيسي محمد علي النصري من قبل مجموعة وصفها بلاغ وزارة الداخلية بالإرهابية، والتي تمكن عناصرها الستة من الفرار عبر جبل السلوم الواقع بمدينة القصرين التي أصبحت بمثابة القلعة الرئيسية لتحركات هذه الجماعات منذ أكثر من سنة. ولا يزال الغموض يخيم على هذه الحادثة، حيث لا يعرف إن كانت رسالة من هذه الجماعات إلى أعضاء المجلس التأسيسي أم لأغراض أخرى؟.

في نفس السياق توصلت المصالح الأمنية إلى معلومات رسمية تفيد بأن الباجي قايد السبسي رئيس حزب نداء تونس أصبح معرضا للاغتيال أكثر من أي وقت مضى. وقد سبق أن حدثت ضجة في الأوساط السياسية قبل أسابيع على إثر تلقي السبسي هدية ثمينة من دولة الإمارات تمثلت في سيارتين مصفحتين لحماية الشخصيات، وهو ما وفر فرصة لخصومه السياسيين. وقد سوي هذا الملف عندما تنازل زعيم حزب نداء تونس عن السيارتين لوزارة الداخلية التي وضعتهما تحت تصرفه.

لا تعتبر هذه الحادثة معزولة، حيث تم إشعار عدد من السياسيين والإعلاميين بوجود مخاطر تهددهم، وقد وضع العديد منهم تحت المراقبة الأمنية اللصيقة والمستمرة. إن الأسابيع القادمة لن تكون سهلة في تونس. وهو ما جعل رئيس الدولة المؤقت منصف المرزوقي يؤكد مؤخرا على أن الـ 75 يوما القادمة ستكون الأخطر في المسار الانتقالي بالبلاد. وكان يقصد بذلك أن أعداء الديمقراطية في تونس سيبذلون أقصى جهودهم لإفشال التجربة التونسية، وذلك بتوجيه ضربات قوية خلال الموسم الانتخابي. وهو ما جعل رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات يعتبر أنه "كلما تقدمنا للوصول إلى موعد الانتخابات فإن الاحتياجات الأمنية تزداد، وأهمها تأمين المسار الانتخابي".

فعلا، التونسيون أيديهم على قلوبهم هذه الأيام، وهم يخشون من أن تعمد الجماعات الراديكالية إلى استغلال انشغال أجهزة الدولة بهذا العرس الانتخابي الذي تتنافس فيه 1500 قائمة، لتوجه ضربات قوية من أجل إرباك المشهد، والدفع به نحو أجواء حمامات الدم. هذا السيناريو الأكثر خطورة الذي تتحدث عنه المصالح الأمنية. إذ لا يكاد يمر يوم حتى ترى الصحف المحلية تحمل عناوين مثيرة حول هذا الاحتمال. وعندما انقطع التيار الكهربائي عن كامل التراب التونسية لمدة ساعتين مساء يوم الأحد الماضي 31 آب/ أغسطس، أول ما تبادر إلى أذهان التونسيين أن إرهابيين وراء ذلك لافتكاك الحكم عن طريق انقلاب عسكري.   
  
وقد نقلت قناة سكاي نيوز بالعربية قبل أيام عن وزير الداخلية بن جدو قوله : "إن خلية الأزمة التي شكلتها الحكومة قامت بتوحيد الجهود بين كل الوزارات خاصة الدفاع والداخلية، كما تم تشكيل قوى مشتركة بين الجيش والأمن الداخل لا سيما على الحدود مع الجزائر حيث يتحصن إرهابيون في بعض الجبال".. وهذا يعني أن الانتخابات التونسية ستجري في أجواء خطرة، وفي ظل أعلى مستويات حالة الطوارئ، وبحماية مكثفة من قبل عشرات الآلاف من رجال الشرطة والعسكريين.

إنه تحدي جماعي يواجهه الشعب التونسي طيلة الأربعة أشهر القادمة، وهو شعب لم يتعود على خوض انتخابات نزيهة وديمقراطية، فما بالك إذا كانت هذه الانتخابات ستنظم تحت التهديد المسلح من قبل الذين لا يريدون لتونس أن تصبح ديمقراطية. 

ولا شك في أن ما يجري في ليبيا قد ضاعف من هذه المخاوف، بعد أن انهارت العملية السياسية، وأصبح المتحكم الرئيسي في المعدلات الداخلية هم أمراء الحرب. وهو ما دفع بالحكومة التونسية إلى تعزيز تعاونها الأمني مع الجزائر، والاندفاع قوة نحو طلب المساعدات العسكرية من أصدقاء تونس، بما في ذلك الاستعداد لدفع ثمن غال مقابل شراء طائرات حربية وتجهيزات ميدانية قد تساعد على الحد من حجم المخاطر. لكن مع ذلك لا تزال تتمسك السلطة بحماية سيادة البلاد من كل أشكال التبعية، وهو ما جعل وزير الخارجية منجي الحامدي يؤكد أمام نظيره الروسي سيرقي لافروف ، أنه لا توجد أي نية لتركيز أي قاعدة عسكرية أمريكية أو غيرها على الأراضي التونسي، إن تونس "ستحمي نفسها بإمكانياتها الذاتية". 

رغم الطابع التشاؤمي للبعض، إلا أن مؤشرات عديدة تدل على أن التونسيين قادرون على مواجهة هذا التحدي الصعب، وإثبات أن صراع أحزابهم على السلطة لن يحول دون دفاعهم عن حقهم في بناء نظام ديمقراطي وإقامة نمط مجتمعي بعيدا عن العنف والانغلاق..