من أمكر العبارات وأخبثها التى استخدمتها أبواق
الثورة المضادة فى
مصر ،منذ اندلاع ثورة يناير وحتى وقوع الانقلاب العسكرى ،عبارة الثورة ثورة شباب ،وهى وان كانت فى مضمونها عبارة حق ،الا أن استخدامها والترويج لها وترسيخها طوال الاعوام السابقة على الانقلاب العسكرى فى أذهان الشعب المصرى بصفة عامة وفئة
الشباب بصفة خاصة ،ما كان الا لباطل ،خاصة اذا كانت فى حقيقتها عبارة تصطدم مع المنطق والعقل ،حيث أن التاريخ لم يشهد على ثورة خرجت من دار مسنين من قبل ،فالثورة تعنى الشباب ،والشباب يعنى الثورة.
وقد حاول نظام مبارك فى الايام الأولى للثورة ،استخدام هذه العبارة على نحو يخدم مصالحه ويبقى عليه فى السلطة مع اجراء بعض التعديلات التى تحتوى حراك الطليعة الثورية ،أو كما قال صفوت الشريف رئيس مجلس الشورى فى ذلك الوقت فى يوم 27 / 1 /2011 م ،أن مطالب الشباب على رأس الحكومة التى سوف تنفذها كاملة ،وكانت الثورة لم تدخل بعد فى مرحلة المطالبة باصرار على اسقاط النظام ،التى بدأت تحديدا فى جمعة الغضب .
وقد تلقفت وسائل اعلام النظام،هذا التعبير وبدأت فى استخدامه محاولة انقاذ مايمكن انقاذه ،من خلال اختصار الثورة فى غضب شبابى جارف ،والتفرقة بينه وبين الغضب الشعبى العام،أو بعبارة أخرى للاستهانة بالحراك الشبابى كما اصطلحوا على نعته ومحاولة اظهاره بالمواصفات التى يكون عليها الشباب من الحماسة أو التهور أو عدم ادراك عاقبة الأمور ،للوصول الى نتيجة مفادها أن هذا الشباب وان كان محب لبلده ولكن لايدرك مصلحتها جيدا ،بذات الدرجة التى يدركها الشيوخ أو باقى الفئات العمرية للشعب التى لم تنضم الى الحراك الثورى ،ولكن خاب مسعاهم ،وسقط رأس النظام وبعض رموزه ،وبقيت تلك العبارة الماكرة.
التى اختصرت الثورة فى الشباب فقط ،بكل ماتحمله كلمة شباب من معانى ودلالات ،تم تسويقها ببراعة ،لنزع الثورة من الحاضنة الشعبية التى لم تنجح الا بها ولحصر الثورة فى الشباب ،حتى يتمكن القائمين على المرحلة الانتقالية فى ذلك الوقت ،من تبريد جذوتها وتخفيف وطأتها ،والفصل بين الحراك الثورى والحاضنة الشعبية.
وبما أن هذا التعبير كان تعبيرا هلاميا يسهل تطويعه لخدمة مصالح الثورة المضادة ،فقد اخترع المجلس العسكرى فى ذلك الوقت الكثير من الائتلافات الشبابية التى تدعى أو تحتكر تمثيل الثورة ،حتى عندما دعوهم الى مسرح الجلاء بدون ضابط أو معيار محدد وصل عدد الشباب الممثل للثورة الى مايقرب من 1800 مدعو ،وكان هدفه الرئيسى ادعاء العسكر بأنهم حموا الثورة وأنهم شريك رئيسى فيها ،وللأسف ساهم كل الشباب ولو بحسن نية ،فى خدمة هذا الهدف ،الذى أدى الى انتزاع الثورة من الحاضنة الشعبية التى بدأت تململ من ديكتاورية من هم دون الثلاثين.
وبقيت تلك العبارة بعد أن وضعت الثورة بعض مؤسساتها وانتخب الشعب "صاحب الثورة "مجلس الشعب ،لتستمر فى استخدامها أبواق الثورة المضادة للحفاظ على شق الصف الثورى الذى بدأ فى استفتاء التاسع عشر من مارس من العام نفسه ،وان كانت بألفاظ مختلفة ،فعند كل استحقاق انتخابى لايكون للشباب فيه نصيب ، حتى ولولم يشاركوا فيه أصلا ،تُستدعى تلك العبارة ،حتى وصل الامر الى الحديث عن شرعيتين فى وقت واحد ،شرعية البرلمان المنتخب من الشعب ،وشرعية الميدان المحتكر من طائفة من الشباب الذى يجد غطائا اعلاميا يبرر له أفعاله على ذريعة أنه خرج من "المولد بلاحمص ".
ولاشك أن تلك العبارة الماكرة قد آتت أكلها وحققت النتيجة المرجوة منها فى الأعمال التحضيرية للانقلاب العسكرى ،ففى كل الحوادث التى سبقت التحضير للانقلاب ،كانت كل الأعمال الغاضبة والتى من بينها أعمال مدفوعة الأجر وتضع صاحبها تحت طائلة القانون ،تجد مايبررها ويطلى عليه شرعية ثورة الشباب الذى لم يأخذ حقه من الثورة التى صنعها،واختفت العبارة التى ساهمت بطريقة أو بأخرى فى انتكاسة الثورة ووقوع الانقلاب ،واختفى معها أحد مطالب الثورة الأصلية وهى تمكين الشباب ،رغم أن كثيرا من هؤلاء الشباب كانوا وقودا للانقلاب الذى سرعان ماتمكن حتى سلط عليهم قانون "منع" التظاهر،وبدأت ذات الاصوات التى كانت تدعى الدفاع عن تمكين الشباب ،تتعالى بضرورة الحذر من تمكين الشباب حتى لايضروا بمصلحة البلاد ،حيث أنهم لايمتلكون الخبرة اللازمة لذلك ،ويعيد التاريخ دورته مرة أخرى لتكون مصر الانقلاب على موعد للمرة الثالثة مع كمال الجنزورى رئيسا للوزراء!.