وصلت أسعار الكهوف والمغر في الشمال السوري، والتي تحولت لمساكن بشرية، إلى مستويات غير مسبوقة، وذلك مع ازدياد الطلب عليها، حيث تبلغ قيمة إخلاء المغارة الواحدة لأكثر من أربعمائة ألف ليرة سورية "نحو 2600 دولار أميركي".
وعلى الرغم من الوضع السيئ لهذه المغر القديمة، والتي تعود لعصور تاريخية غابرة، إلا أن أسعارها في ازدياد متسارع، بعد أن تحولت لملاذ آمن لآلاف الهاربين من صواريخ
الأسد و براميله، والتي تسقط على رؤوس السوريين منذ نحو أربعة أعوام.
وتعتبر مناطق عدة في ريف
إدلب لاسيما في جبل الزاوية، من أكثر المناطق التي ازدهر فيها سوق المغر والكهوف.
يقول الناشط محمد السلوم بأن "هذه المغاور كانت مرتعا للحشرات والأفاعي وتأكلها الرطوبة، ولا يمكن أن تصلح للسكن البشري، لكن محاولات الأهالي في إعادة تأهيلها، ساهمت في تمكينهم من السكن فيها، ما جعلها سعلة رائجة وصار لها سوقها وسماسرتها".
ويضيف السلوم: إن عددا كبيرا من أهالي قرية كفروما في ريف إدلب لجأ في البداية إلى تلك المغارات وسكن فيها، بعدما تعرضت بيوتهم إلى قصف عنيف من مدفعية وادي الضيف وطيران النظام الحربي، وصار الطلب على هذه المغاور أكثر من المعروض منها.
"كنا نلعب حول تلك المغاور حينما كنا أطفالا.. لم نكن نعتقد أنها ستصير مسكنا لنا في أحد الأيام" يقول السوري "أبو سعيد" وهو يشرح قدرة تلك المغاور على حماية ساكنيها.
ويتابع: "كنا صغارا نلعب حول تلك المغاور، كنا نخشاها و نعتقد أنها مسكونة بالجن، كانت مخيلة الأطفال البريئة لا تسمح لنا بأن نعتقد أنها ستصير بيتا لنا، لم نكن نعتقد أننا سنعيش إلى جانب تلك الحشرات أو ما اعتقدنا أنه مأوى للجان".
ويرفض مصطفى، أحد ساكني مغارات "الروامّة" الخمسة في قرية البارة بجبل الزاوية، بيع مغارته المكونة من قبرين قديمين ومساحتها مترين بمترين، بعدما عُرض عليه أكثر من ألفي دولار.
ويقول: "لا مكان آخر عندي للذهاب إليه، تركيا لا تعطي خيماً جديدة للنازحين الجدد، ومخيمات اللجوء في
سوريا مزرية وبعيدة عن قريتي وبيتي المدمر، وإن كنت تريد العيش خارج المخيمات ستضطر للاستئجار بمبالغ خيالية في تركيا أو المناطق المحررة الآمنة".
ويضيف ساخراً: لولا "بنطال الجينز الذي أرتديه لاعتقد كل من يرانا بأننا قفزنا من العصر الحجري، وفي الوقت الذي يفكر فيه العالم المتحضر بالوصول إلى المريخ في القرن الواحد والعشرين، نطمح نحن السوريون بالعودة إلى ما قبل التاريخ لعلنا نجد مغارة تقينا من بطش النظام"، كما يضيف مصطفى: "حتى الإنسان القديم لم يسكنها، بل كانت عبارة عن مدافن، ومساحتها الضيقة لا تصلح لأن تكون مسكناً".
كما لا تقتصر أهمية المغر تلك على الجانب السكني و المدني، بل تحول بعضها إلى مقار عسكرية للعديد من الكتائب، والتي اتخذتها مراكز قيادية، الأمر الذي ضاعف من حدة الطلب عليها ورفع أسعارها.