حسم الأردن، السبت، جدلا استمر أسبوعا، بشأن تسريبات بقرار حكومي وشيك بحل جماعة الإخوان المسلمين، عندما أعلن رئيس الوزراء عبدالله النسور أن بلاده "لا تفكر في عزل أو حظر" جماعة الإخوان المسلمين.
تصريحات النسور جاءت بعد تداول تقارير صحفية محلية عن وجود مقترح على طاولة مؤسسات صناعة القرار بالأردن يقضي بحظر الجماعة، وهو ما رأى فيه مراقبون إبقاء على "شعرة معاوية" التي تربط بين الحكومة والجماعة.
النسور قال، خلال مؤتمر صحفي اليوم بعمان: "لا يوجد أي تفكير في عزل أو حظر أو حل جماعة الإخوان المسلمين".
وفي الوقت نفسه لم يخف رئيس الوزراء الأردني استياء حكومته إزاء مواقف البعض في الجماعة على خلفية "تشكيكهم برد الفعل الرسمي على الأحداث في
غزة"، واصفا هذه المواقف بـ"الاستفزازية".
وتسببت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في تأجيج التوتر في العلاقة بين النظام الأردني وجماعة الإخوان المسلمين، والتي تشهد فتورا متصاعدا منذ أبريل/ نيسان الماضي، على خلفية قضايا يرتبط جلها بتطورات الأوضاع في المنطقة، بدءا من تسلسل الأحداث على الساحة المصرية، مرورا بتعاظم نفوذ الحركات السلفية المتشددة في العراق وسوريا.
إلى جانب خشية النظام من بناء الإخوان لتحالفات معها، وانتهاء بردود فعل الجماعة إزاء ما يوصف بـ"الانتصارات" التي حققتها حركة
حماس مؤخرا خلال الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.
وأثارت ردود الأفعال الإخوانية المنتقدة لموقف الأردن الرسمي إزاء الحرب على غزة، والتي ترى فيها الدولة نوعا من "الاستقواء بالامتدادات التنظيمية للجماعة"، موجة غضب حكومية متصاعدة، ظهرت على شكل تسريبات في الإعلام الرسمي وغير الرسمي تلمح بحظر التنظيم، وتهدد بقطع "شعرة معاوية" بين الطرفين.
ويرى مراقبون أن المغالبة المفترضة بين السلطات الأردنية والجماعة، تحول دون حسمها من قبل النظام، الظروف الإقليمية غير المواتية لقرار من قبيل حظر التنظيم مثلا، لاسيما وأن هذا الظرف الإقليمي مع انعكاساته المفترضة على الشارع الأردني، يتأرجح تارة لصالح الإخوان وامتداداتها الإقليمية، وتارة أخرى لصالح النظام الذي يتمتع بتأييد دولي وشعبي بدليل ثباته واستقراره رغم كل الزلازل السياسية والأمنية التي تحيط به من كل الاتجاهات.
من جانبه لا يخفي سالم الفلاحات، القيادي البارز في الجماعة، التوتر الحاصل مع النظام، معتبرا أنه ليس الأول من نوعه، كما حمل الفلاحات المسؤولية عن ذلك لجهات داخل السلطة.
الفلاحات، في حديث له، يرى أن تلك الجهات "تسعى لتحقيق مكاسب شخصية جراء الشحن السلبي في العلاقة بين الحركة والنظام"، لاسيما خلال هذه الأوقات، التي يجري فيها الحديث عن تعديل حكومي وشيك، حيث يعتقد البعض أنه يتقرب من السلطة كلما أمعن في توجيه النقد ضد الحركة الإسلامية.
وشهدت الأيام الماضية استياء داخل مطبخ صنع القرار الأردني، عقب الانتقادات الحادة التي وجهها المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين همام سعيد للموقف الأردني الرسمي من الحرب على غزة، ضمن مهرجان "غزة تنتصر"، والذي نظمته جماعة الإخوان المسلمين الجمعة قبل الماضية، في منطقة طبربور شمال العاصمة عمان، إضافة إلى العروض العسكرية التي نفذتها الحركة بمجسمات كرتونية، ضمن المهرجان ذاته.
ونشرت وسائل الإعلام الأردنية الرسمية وغير الرسمية عددا من رسائل الغضب الحكومي، كان آخرها ما جاء في صحيفة "الغد"، في عددها الصادر الخميس الماضي نقلا عن مصادر رسمية لم تسمها، وجاء فيه أن "ما حدث يوم الجمعة قبل الماضية، في مهرجان الحركة الإسلامية يعد خروجا عن المألوف، ومزاودة على الموقف الأردني تجاه غزة وأن انتقاص جماعة الإخوان المسلمين من الموقف الأردني، ومحاولة استثمارها لفوز حماس، أمر غير مقبول".
وزادت الصحيفة أن "المصادر لم تنف أو تؤكد ذهاب الحكومة نحو حظر الجماعة، بيد أنها تركت الخيارات القانونية مطروحة، في التعامل مع الإخوان المسلمين، بحسب التزامهم بالقانون وانضباطهم ضمن أحكامه".
وكان همام سعيد المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن، قد وجه نقدا لاذعا للموقف الأردني الرسمي ضمن خطابه في المهرجان المذكور، فشكر كلا من بوليفيا والاكوادور على مواقفهما المتضامنة مع أبناء غزة، والتي "تفوقت" - من وجهة نظره - "على عمان صاحبة الوصاية على المسجد الأقصى".
وأضاف مخاطبا الحكومة الأردنية "لم نر رجولة الحكومة تثور أمام ما يحدث في غزة".
وهنا يعلق الفلاحات بالقول إن ما قاله سعيد هو "خطاب جماهيري، وليس بيانا سياسيا، فالخطابات الجماهيرية عادة ما تكون أكثر حماسة"، مجددا التأكيد على أن الجماعة لا تستقوي بحال من الأحوال بالنجاح الذي حققته المقاومة في القطاع، لاسيما وأن المعركة لم تحسم بعد لصالح المقاومة مع رابع أقوى جيش في العالم، وهي "لا تنكر الجهد الأردني في دعم غزة وفق الإمكانيات المتاحة".
والثلاثاء الماضي طالب بيان منسوب لمنظمات المجتمع المدني والمحلي في مخيمات اللاجئين
الفلسطينيين في المملكة، نشرته وكالة الأنباء الأردنية الرسمية، من دون أن تسمي هذه المنظمات، "بموقف رسمي حازم وقاطع يتمثل بحظر تنظيم الإخوان المسلمين وحله".
وأضاف البيان أن محاكاة الأسلحة في مهرجان نصرة غزة "تثير قلقنا وقلق الكثير من أبناء الأردن لماتثيره من حالة تجييش وعسكرة للمواطنين ما سيؤدي الى الفتنة وزيادة التوتر بالمنطقة وخاصة في الأردن".
بيد أن سالم الفلاحات يسخر من فرضيات كهذه، ويعيد التأكيد بأن المهرجان لا يبعث بأي رسائل من أي نوع للداخل الأردني فلا مجريات الأحداث في القطاع، ولا الموقف الغربي والأمريكي الداعم للكيان الإسرائيلي، يغري الحركة الإسلامية بتحقيق مكاسب سياسية على حساب نظام بلد تعيش فيه، وقد تعمدت الحركة الإسلامية أن لا تقيم المهرجان على مقربة من السفارة الإسرائيلية كما يحدث حتى في الدول الغربية، ولم تقمه على مقربة من الحدود مع الكيان الإسرائيلي كي لا يقال إننا نستفز النظام، وفق الفلاحات.
وفي مقال لفيصل الفايز، رئيس الوزراء الأردني الأسبق، والنائب الحالي لرئيس مجلس الأعيان استعرض الفايز العلاقات التاريخية بين جماعة الإخوان المسلمين والنظام، ثم عرج بشيء من التفصيل على أوجه الدعم التي قدمها العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني والحكومة لقطاع غزة خلال "العدوان".
ثم تساءل، ضمن مقاله الذي نشر بعدد من المواقع الإخبارية الأردنية الخميس الماضي، تحت عنوان (نصيحة من صديق للإخوان المسلمين)، "ماذا كان موقف جماعة الإخوان المسلمين في الأردن، وذراعها السياسي حزب جبهة العمل الإسلامي، إزاء هذه الجهود الأردنية، والتضامن الشعبي الأردني مع الأهل في غزة؟".
وأجاب على سؤاله بالقول "لقد كان - وبكل أسف - موقف نكران وتشكيك، وقد رأينا من بعضهم هجوماً على الدولة، وتطاولاً على بعض رموزها والمسؤولين فيها، وسمعنا تشكيكاً بكل الجهود التي بُذلت، وشاهدنا استعراضات عسكرية، ومهرجانات خطابية، نظمها الإخوان المسلمون، عبروا فيها عن استقوائهم على الدولة الأردنية".
ومضى النائب الأول لما يسمى "مجلس الملك" لكونه معين من قبل العاهل الأردني، مخاطبا الجماعة بالقول "إن بعض التصرفات والممارسات، التي صدرت عنكم مؤخراً، وتحديداً عن بعض رموزكم القيادية خلال أحداث غزة الأليمة، إنما هي "تصرفات غير مسؤولة"، تدفع باتجاه زعزعة أمن الوطن واستقراره، وتدفع باتجاه جر الدولة الأردنية، بمختلف مكوناتها إلى المواجهة معكم، وهو الأمر الذي لا نريده ولا نتمناه.
وختم مقاله بالقول: أنا على قناعة أيضاً أن الدولة بكل مكوناتها وقياداتها السياسية لا ترغب ولا تقبل بذلك، لهذا بات لزاما عليكم - إخوتي - إعادة النظر في العديد من مواقفكم، "فلا يجوز المراهنة على تسامح قيادتنا الهاشمية، وشعبنا الطيب إلى الأبد".