ينادي ماهر حبوش على أحد عماله، بصوت تظهر نبراته أنه مازال تحت وقع الصدمة، يطلب منه وضع عدد من الألواح الخشبية فوق سائل لزج ملأ أرض مصنعه وارتفع عنها عدة سنتيمترات.
وبعد أن سار ببطء فوق أحد الألواح، وضرب كفيه ببعضهما، أشار إلى تلك الآلات الخاصة بتصنيع الشامبو (مادة تستخدم في غسل الشعر) والأخرى المخصصة لصناعة الصابون، وقال مستنكرًا: "مازلت أسأل نفسي لماذا تقصف
إسرائيل مصنع مواد تنظيف؟ لقد تحول كل شيء إلى
دمار".
وأضاف: "لا علاقة لي بأي تنظيم سياسي أو مقاوم، لم أتوقع يومًا أن تستهدف الطائرات مصنعي، لماذا يفعلون كل هذا؟".
وفي مساء الأحد الماضي، قصفت إسرائيل مصنع "حبوش لمواد التنظيف والصابون"، غرب مدينة
غزة بصاروخين، أكبر مصانع القطاع، تسببا بإحداث دمار شامل في المكان.
ووفق إحصائية للاتحاد العام للصناعات الفلسطينية، فإن إسرائيل دمرت 195 منشأة صناعية في قطاع غزة، أثناء شنها حربًا منذ الـ 7 تموز/ يوليو الماضي، مشيرًا إلى أن حصر الأضرار لا يزال مستمرًا، وأن الأرقام مرشحة للزيادة.
ولفت الاتحاد إلى أن خسائر مصانع المواد الغذائية بلغت 150 مليون دولار.
وتقدر قيمة الخسائر الأولية في قطاع غزة بنحو 3 مليارات دولار، وفق مؤسسات اقتصادية.
ويقول حبوش إنه تم تبليغه هاتفيًا من قبل الجيش الإسرائيلي، قبل عشر دقائق من الاستهداف، بأن المصنع سيقصف، مضيفًا أنه "لم نستطع إخراج أي شيء من الداخل، كل شيء احترق".
وتابع: "لقد كان الحريق هائلا، استمر رجال الدفاع المدني بإطفائه حتى صبيحة اليوم التالي، لا أعلم كيف سأتمكن الآن من إعادة عجلة الإنتاج للدوران مرة أخرى، أمام الحصار المفروض علينا".
وبعد أن توقف صاحب المصنع عن السعال، لشدة قوة رائحة المواد الخام المحترقة التي ملأت المكان، قال مستغربًا: "لقد أدخلت شحنة من المستلزمات من إسرائيل قبل قصف المصنع بيوم، وأدخلت أخرى بعد قصفه، أي سياسة هذه؟ يقتلوننا ويدمرون اقتصادنا ثم يتظاهرون بالإنسانية".
وتكبد حبوش خسائر بقيمة مليوني دولار كحد أدنى، كما يقول، وأنه مازال بصدد حصر قيمة الأضرار، مشيرًا إلى أنه سرّح موظفيه الـ 25 من العمل.
وأكد حبوش أن إسرائيل تحاول ضرب الاقتصاد الفلسطيني المحاصر باستهدافها لعدد كبير من المصانع في مختلف محافظات غزة، قائلا: "هل نستخدم الصابون أو المعلبات والأغذية في صناعة الصواريخ حتى يدمروا مصانعنا؟".
الشاب محمود محمد (21 عامًا) أحد العاملين في المصنع، قال: "من أين سأجد مصدر دخل آخر أسد به جوع أفراد عائلتي، فأبي مريض منذ سنوات ولا يستطيع العمل وأنا من أتكفل بتوفير احتياجات الأسرة".
وأضاف: "العام الدراسي أوشك على البدء، وإخوتي يحتاجون إلى ثياب.. من أين سأشتري لهم؟ ومن أين سأوفر الطعام أيضًا؟".
وأردف: "نعاني من البطالة والفقر وبالكاد نجد فرص عمل، ومن يحظى بها يكون محظوظا جدًا، وأين سأجد نفسي الآن بعد كل هذا الدمار بسبب هذه الحرب؟".
وقال الاتحاد العام للصناعات الفلسطينية، في بيان صحفي أصدره مؤخرًا، إنه تم تسريح أكثر من 30 ألف عامل من وظائفهم، بسبب الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، ما رفع نسبة البطالة لأكثر من 55%.
وأضاف البيان أن خسائر المصانع في غزة خلال الأسابيع الأربعة الماضية أثناء الحرب الإسرائيلية، تجاوزت الـ 47 مليون دولار، موضحًا أن الرقم مرشح للارتفاع مع تواصل الفرق الفنية في إحصاء الخسائر وتوثيقها.
ووفقاً لمركز الإحصاء الفلسطيني، فقد ارتفع معدل البطالة في قطاع غزة إلى 40% في الربع الأول من عام 2014.