لم تكن معركة الكلمة والصورة بين
إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية "
حماس"، كأحد أبرز الفصائل الفلسطينية، أقل ضراوة من معركة الصاروخ والمقاتلة، ولم تهدأ لفترة تجاوزت الشهر بأيام، حسب نيرمين عبد السلام، استاذة الإعلام بجامعة القاهرة (حكومية)، التي رصدت للأناضول الأساليب والاستراتيجيات الإعلامية التي اتبعها الخصمان لكسب المعركة الإعلامية.
وحددت عبد السلام 7 إستراتيجيات إعلامية استخدمتها إسرائيل خلال أكثر من 30 يوما من المعارك، لم تنجح في تحقيق أهدافها المرجوة نتيجة لـ4 استراتيجيات مضادة استخدمتها "حماس"، وفيما يلي عرض لأبرز استراتيجيات الطرفين:
1 ـ التشويه والشيطنة:
شن الإعلام الإسرائيلي مدعوما بإعلام غربي وعربي حملات لتشويه وشيطنة حركات المقاومة الفلسطينية وتحديدا حماس، وعمد الإعلام العبري قبل الحرب وبعدها إلى تهيئة الرأي العام العالمي لهذه الحرب من خلال حديثه عن مدى خطورة الصواريخ الفلسطينية على المستوطنين اليهود وكيف يقضون أوقاتا قاسية داخل المخابئ والملاجئ هربا من تلك الصواريخ.
وانهارت هذه الاستراتيجية بعد سقطة مهنية ساذجة وقع فيها المذيع ديان سوير، بقناة (أيه بي سي نيوز) "abc" الأمريكية، حينما استعرض لقطات لعائلة فلسطينية منكوبة جراء القصف الإسرائيلي وقدمها للمشاهد على أنها لقطات لعائلة إسرائيلية وقعت ضحية لصواريخ "حماس"؛ وهو الأمر الذى سرعان ما انكشف زيفه وفندته الحركة عبر إعلامها خصوصا عبر الإعلام الإجتماعي (شبكات التواصل الاجتماعي).
2ـ التهوين:
استراتيجية اتبعها الاعلام الإسرائيلي للتعتيم على الخسائر البشرية والاقتصادية التي مني بها على يد الفصائل الفلسطينية، وللتقليل من إمكانات المقاومة الفلسطينية وقدرتها على إلحاق الضرر به من خلال التركيز على ما يحققه الجيش الإسرائيلي من غارات وهجوم بري وإغفال ما تحققه الفصائل الفلسطينية من مكاسب عسكرية.
لكنها لم تصمد طويلا إذ سرعان ما أدلى المعلق العسكري الإسرائيلي يواف ليمور، في تصريحات لصحيفة يسرائيل هيوم، تحدث فيها عن أن سقوط عدد كبير من القتلى في صفوف جيش الدفاع أربك حسابات دوائر صناع القرار التي كانت تتوقع سقوط عدد أقل بكثير من الضحايا.
ومضى قائلا في تصريحاته للصحيفة، الشهر الماضي، "ما يثير السخط بحق أن حركة ضئيلة بحجم (حماس) استطاعت أن تعادي دولة كبيرة كإسرائيل؛ وأن تصمد أمامها رافضة محاولات استجداء وقف إطلاق النار رغم الثمن الباهظ الذي تدفعه".
كما سقطت هذه الإستراتيجية أيضا بعدما بثت القناة الأولى الإسرائيلية تسجيلا صوتيا لمحادثة هاتفية تمت بين رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، والرئيس الأمريكي، بارك أوباما، طالب فيها الأخير بوقف فوري لإطلاق النار من قبل إسرائيل؛ لأن صور الدمار والضحايا القادمة من
غزة لم تجعل العالم يتعاطف مع إسرائيل؛ وهو ما رفضه نتنياهو لأنه "ليس هناك أي ضمانات لتوقف حماس عن إطلاق صواريخها" كما رفض وساطة تركيا وقطر لدى "حماس" لأنهما من "أشد مؤيديها"، فأنهى أوباما المحادثة بأن "إسرائيل ليست في وضع يسمح لها باختيار وسطاء".
3 - الصدمة:
لجأ الإعلام العبري إلى حد كبير إلى شن حرب نفسية على حركة "حماس" والفصائل الفلسطينية الأخرى مع بداية الحرب، حينما بالغ في إبراز المنازل والمساجد التي جرى قصفها وعدد الضحايا الكبير الذى سقط لكسر الفصائل في غزة معنويا. كما قصف الجيش الإسرائيلي الكثير من مكاتب القنوات الإعلامية ومنع الصحفيين من الوصول إلى غزة عبر المعابر كي تظل الصورة حكرا على إسرائيل توظفها كيفما تشاء، وتنقل من خلالها الرسائل التي تريد لها أن تصل فقط.
4- لفت الإنتباه:
أرادت إسرائيل من خلال هذه الاستراتيجية كسر الغطاء الشعبي عن الفصائل الفلسطينية بالحديث عن أنها لا تستهدف المدنيين أبدا وإنما تستهدف "الإرهابيين" المخربين وبالتالي فإن كل ما يلحق بالمدنيين من أذى تتحمل وزره "حماس" و ليس إسرائيل .
ولتحقيق نفس الإستراتيجية أيضا تبنى الإعلام العبري خطابا مفاده أن "حماس" هي من بدأت الحرب حينما أطلقت وابلا من الصواريخ باتجاه المستوطنات؛ وهو الإدعاء الذى ثبت زيفه لاحقا حينما أكد جدعون ليفي، الكاتب الإسرائيلي، على أن إسرائيل تخدع العالم بتحميلها مسؤولية شن الحرب لـ"حماس"؛ مؤكدا على أن سياسيات إسرائيل الخانقة في حصار غزة وتصرفاتها عقب خطف وقتل 3 مستوطنين (في يونيو/ حزيران الماضي) هي السبب في بدء الحرب التي لم تنته بعد؛ كما اعترف الكاتب الإسرائيلي بأن الغالبية الساحقة من ضحايا الحرب مدنيين وليسوا مقاتلين.
5 ـ حارس البوابة:
تحققت هذه الاستراتيجية من خلال الرقابة الشديدة التي فرضتها الحكومة الإسرائيلية على وسائل الإعلام العبرية والتي رصدتها مجلة "سيليت" الأمريكية في عددها الصادر في 26 يوليو / تموز الماضي في تقرير بعنوان: "الإعلام الإسرائيلي يخضع للدعايا العسكرية في الحرب على غزة"؛ وخلص التقرير للحكم بأن وسائل الإعلام الإسرائيلية الحالية تحولت إلى وكالة أنباء عبرية تنقل صورة ناقصة ومشوهة لما يجري على أرض الواقع، وبهذه الطريقة، قَوِي الدعم الشعبي للحرب، وتعززت مصداقية الرواية التي قدمها رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، حول غزة وحماس، وأصبحت تحظى بإجماع شعبي ودعم إعلامي مزيف.
6- التبرير:
لجأت إسرائيل لهذه الاستراتيجية لتبرير قصف المدارس والمستشفيات بذريعة وجود مسلحين بها، إلا أنها فشلت بعد أن نفت الأمم المتحدة وجود أسلحة في مدارس تابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا).
و لفتت عبد السلام إلى أن "الفصائل الفلسطينية لجأت بدورها إلى استراتيجيات إعلامية مضادة جعلت لها الغلبة في الحرب الإعلامية بينها وبين إسرائيل وتسببت في إرباك الإعلام العبري بشكل ملحوظ"؛ و من أبرز هذه الاستراتيجيات:
1ـ المبادرة:
تجسدت هذه الاستراتيجية في إطلاق "حماس" لموقع باللغة العبرية لمخاطبة المستوطنين والنجاح في اختراق بث التليفزيون الإسرائيلي عدة مرات وتوجيه رسائل مباشرة لمتابعيه، ثم تحديد "حماس" لموعد ومكان القصف الذى ستمطر به تل أبيب لتغطيه كل وسائل إعلام العالم بينما لم تتمكن إسرائيل من التصدي للرشقات الصاروخية.
كما تجلت هذه الإستراتيجية حينما بثت "حماس" فيديو موثق لهجوم مقاتليها على جنود إسرائيليين بنحال عوز (جنوب) وقتلهم، ما أصاب جنود إسرائيل بهلع شديد؛ وهو الفيديو الذى فت في عضد الجيش الإسرائيلي خاصة أنه جاء بعدما أكد نتنياهو على القضاء تماما على كل الأهداف العسكرية بحي الشجاعية، شرق مدينة غزة، لكن حماس أطلت له برأسها من نفس الحي ووثقت العملية.
2 ـ التخويف:
بدأت "حماس" في تطبيق هذه الاستراتيجية منذ أن أطلقت اسم "بقعة الزيت" على هجماتها الصاروخية في دلالة على أن إطار هذه الهجمات سيتمدد سريعا كما تتمدد بقعة الزيت؛ وهو ما تحقق بالفعل في هذه الحرب حينما وصل مدى الصواريخ لعمق تل أبيب لأول مرة.
3ـ استخدام المشاهير:
دفعت "حماس" بكل قياداتها كخالد مشعل وإسماعيل هنية ومحمد الضيف للالتحام بالشعب "المكلوم" وللتأكيد على أن "زمن الهزائم ولى" وأن "حماس" "ستحاصر إسرائيل عبر ضرب مطارها لتذوق ويلات الفلسطينيين المحاصرين في غزة"، وهو ما تحقق عبر قصف مطار بن غوريون بتل أبيب (وسط)؛ وهو ما دفع نير ديفوري، الصحفي العسكري الإسرائيلي، للقول بان المتحدثين باسم حماس يتمتعون بمصداقية أكبر من نظرائهم الإسرائيليين لأن ما يقولوه يحققوه بالفعل.
كما قالت كيري تهون، أستاذ السياسة بجامعة واشنطن، إن "بيانات حماس وأخبار قناة الجزيرة القطرية ذات مصداقية أكثر من الإعلام العبري"، ما دفع الإسرائيليين إلى الإنصراف لمواقع التواصل الإجتماعي لمعرفة حقيقة ما يحدث.
4ـ رفع الروح المعنوية:
تحققت هذه الإستراتيجية بالإبتعاد عن نغمة العويل والتباكي وتبني خطاب قوي حاسم مستندا للتراث الإسلامي من خلال مصطلحات مثل "العصف المأكول"؛ حتى إبراز المجازر و ضحاياها كان من قبيل التوعد برد مزلزل.
واختتمت أستاذ الإعلام تصريحاتها بالتأكيد على أن "رقعة الكراهية" ضد إسرائيل تتمدد على مستوى العالم بدليل تصدر الهاشتاج المطالب بمحاكمة قياداتها أمام الجنائية الدولية جزاء وفاقا على ما ارتكبوه في غزة من جرائم حرب؛ مواقع التواصل الاجتماعي، ما يعني أن الإعلام العبري فشل في تحقيق أبسط أهدافه وهي استمالة الرأي العام العالمي في مقابل نجاح إعلام "حماس" في تحقيق نفس الهدف بل والزيادة عليه.
ومنذ 7 يوليو/ تموز الماضي، تشن إسرائيل حربا على قطاع غزة، تخللها 3 أيام هدنة إنسانية نفذها طرفي المعارك برعاية مصرية، وتسببت هذه الحرب في سقوط 1898 شهيداً فلسطينيًا، وجرح نحو 10 آلاف آخرين، فيما قتل 64 عسكريًا و3 مدنيين إسرائيليين، وأصيب حوالي 1008، بينهم 651 عسكرياً و357 مدنياً، وفق رواية إسرائيلية تكذبها كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة "حماس"، وتقول إنها قتلت 161 عسكريا، وأسرت آخر.