ما الذي يجعل بعض سكان المناطق المحررة في ادلب واللاذقية يعودون للمناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري مجددا ؟ سؤال تصعب إجابته لدى الكثيرين في الساحل السوري، فبعض ممن عادوا إلى مناطق النظام السوري كانت إجاباتهم بأن الذل يلاحقهم حتى في صفوف (
المعارضة)، بل زادت الأمور صعوبة خصوصا مع وجود تنظيمات متشددة كداعش التي تفرض الخمار على النساء، وإلا فإن فالموت هو بانتظار من لا يطبق هذه القوانين المتشددة .
شابة تعمل (مزيّنة شعر) نسائية في ريف (ادلب) الجنوبي رفضت ذكر اسمها خوفا من داعش، قالت في تصريح خاص ل "عربي 21" إنها وبسبب ممارسات داعش في تلك المنطقة أجبرت على إغلاق محلها بحجة الدين "وأن ذلك محرم وممنوع" , تركت محلها وتركت المنطقة بأكملها منذ ستة أشهر لأنها لا تريد أن تلبس الخمار بعد فرضه من قبل داعش , انتقلت الى تركيا فترة وجيزة، ولكنها لم تستطع البقاء في تركيا لعدة اسباب اهمها غلاء المعيشة وعدم توفر فرص العمل كما أنها لم تكن تتقن اللغة التركية , لتترك تركيا مغادرة الى مناطق تحت سيطرة النظام في الساحل السوري بمدينة (
اللاذقية).
ايضا من اهم الاسباب التي تضطر المدنيين للتوجه الى مناطق النظام هو الامان الذي تحرم منه مناطق المعارضة، فلا توجد منطقة خارجة عن سيطرة النظام الا وتتعرض لبراميل متفجرة او قصف من مناطق قريبة خاضعة لسيطرة النظام, حيث اغلب مناطق الساحل المحررة غير آمنة، مما حذى بأغلب المدنيين ترك قراهم إلى تركيا كالتركمان الذين يقطنون في جبل التركمان، وهذا ما حصل ايضا في قرى ربيعة والدرة والسلور التي تركها أهلها من القومية التركمانية إلى مخيمات أكثر أمنا في تركيا، رغم أنها تقع على الشريط الحدودي بين البلدين لكن ذلك لم يكن شفيعا لها من قصف قوات النظام السوري .
أما من تقطعت بهم السبل ولم يجدوا لهم مكانا لا في مخيمات النزوح في تركيا ولا في أماكن أخرى اضطروا إلى الرجوع إلى مدينة اللاذقية على مبدأ (الرمد أفضل من العمى) بحسب ما قال أحد المعارضين لنظام الأسد يدعى (مهند) في تصريح خاص ل "عربي 21" وهو متواجد داخل مدينة (اللاذقية) ويعمل بشكل سري لصالح المعارضة لكن بشكل محدود، حيث قال إنه جرب الحياة في المناطق المحررة "فالنظام لا يرحم والغلاء لا يزداد" حسب وصف الناشط.
قال أيضا إن "هنالك خوفا كبيرا يلاحقني في مناطق النظام السوري" ويضيف الناشط أن كل شيء لدى النظام يمكن حله بالمال فلا خوف "يمكنك في النهاية أن تعود تنام بين أهلك وأحبابك" .
بالنسبة لكثيرين فإن أهم فرق بين مناطق الخاضعة لسيطرة النظام والمناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة هو عنصر الأمان، إذ لا توجد أي منطقة في
سوريا المحررة إلا وقد نال منها طيران النظام السوري ,عدا عن القصف بشتى أنواع الأسلحة , وفي سياق آخر فإن الحاجيات الأساسية للمعيشة تفرض نفسها، فعلى سبيل المثال مادة الأرز والسكر يقوم النظام السوري بتوزيعها بشكل مقنن لكن بسعر شبه مجاني، في حين أن سعر المادة يتعدى الف ليرة (ما يعادل خمس دولارات )سورية للكيلو الواحد في مناطق خاضعة لسيطرة الجيش الحر .
وأخيرا فإن أكثر ما يؤرق المدنيين هو أطفالهم ومستقبلهم، فلا توجد مدارس في المناطق المحررة لأن معظمها تحول إلى أماكن تتمركز فيها قوات المعارضة بشتى صنوفها، بالإضافة إلى جزء كبير منها تحول إلى مناطق لجوء دائمة لمن تقطعت بهم السبل ولم يستطيعوا التوجه إلى أماكن أخرى .