في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك كتبت قصيدة بعنوان (اعتذار غير واجب)، وكانت فكرة القصيدة تدور حول اعتذار من مواطن
مصري إلى إخوته وأبناء عمومته من
العرب بسبب المواقف المخزية التي يتخذها نظام مبارك تجاه القضايا العربية وعلى رأسها القضية
الفلسطينية بالطبع.
القصيدة تقول إن مصر سفينة مختطفة بما ومن عليها، والربان النذل هو المسؤول عما يحدث، ونحن لسنا براضين ولا مشتركين في القرارات التي يتخذها بإغلاق معبر رفح، وبتصدير الغاز لإسرائيل، وبالتعاون المخابراتي مع الأعداء، وبالتحيز المطلق لكل قوى الشر ضد أي كيان يحاول أن يصنع أي إنجاز خارج الإطار الذي رسمته قوى الاستعمار العالمية، وبالتالي يعتذر هذا المواطن ولكنه اعتذار غير واجب، لأنه ليس شريكا في هذه الجرائم التي يرتكبها النظام باسمه.
ولكن دارت الأيام، ومرت الأيام "كما تقول الست"...!
وأرى أننا قد أصبحنا مطالبين بالاعتذار لإخوتنا العرب عما يحدث في مصر، وعما يحدث من مصر، خصوصا أن ما يحدث لم يعد مجرد مواقف "رسمية"، بل تحول إلى سعار إعلامي، وتصرفات سفيهة تملأ سماء الإنترنت بشتى البذاءات التي تسيء لكل من يحمل الجنسية المصرية.
قلت في قصيدتي :
(بَني العَمِّ ...
هَذا اعْتِذَاري ...
و لَيْسَ عَلَيَّ اعْتِذَارْ ...
بَني العَمِّ ...
لا تَطْلُبُوا قَبْلَ مَدِّ القَضِيبِ انْطِلاقَ القِطَارْ ...
و لا تَطْلُبُوا أنْ أُشَيِّدَ سَقْفَ البِنَايَةِ قَبْلَ ارْتِفَاعِ الجِدَارْ ...
تُرَى تَقْبَلُونَ اتِّهَامي لَكُمْ بالصَّغَارْ
إذا قَبِلَ البَعْضُ مِنْكُمْ حَيَاةَ الصَّغَارْ ...؟
بَني العَمِّ ...
لَسْتُمْ جَميعًا صِغَارًا و إنْ كَانَ فيكُم صِغَارْ ...
و لَسْنَا حَميرًا إذا كَانَ فينَا حِمَارْ ...!)
لقد أصبحت سائر القنوات
الإعلامية المسموح لها بالعمل في ظل الانقلاب العسكري تتحدث عن إخوتنا العرب بمنتهى الاحتقار، وهو أمر يحول الاعتذار من اعتذار غير واجب ... إلى اعتذار واجب بامتياز.
لذلك أقول: باسم مواطن مصري، يحترم العروبة وينتمي لها، ويحترم كل الشعوب العربية ويحبها، ويفرق جيدا بين الحكومات والشعوب، أعتذر لكل من طالته سفالات إعلامنا، ولجان حكامنا الإلكترونية، و"مبادرات" أنظمتنا.
أعتذر لكل إخوتنا العرب لأننا لم نصدر لهم على مدار عشرات السنين سوى خبراء التعذيب، وخبرات انتهاك القانون.
أقول لإخوتنا في فلسطين مقاومتكم للعدو تلهمنا جميعا، وتبعث فينا الحياة مرة أخرى، وتدفع ثورة يناير إلى فصل جديد من فصول التحرر، ونعتذر عن كل البذاءات التي وصفتكم -يا أشرف الناس- بأي وصف مسيء.
أعتذر لكم يا رجال المقاومة، ويا أيها الشعب الصامد منذ أكثر من قرن، وتأكدوا أن كل من أخطأ في حقكم سيحاسب علنا، وسترد له الثورة اعتباره، وإن غدا لناظره قريب.
أقول لإخوتنا في سوريا، صمودكم نهايته النصر، وحملات التحريض على لاجئيكم في مصر ستنتهي قريبا بإذن الله، ونحن نعتذر عن أي إساءة طالت أيا منكم، ونعتذر عن سائر الإجراءات الحقيرة التي فرقت بين المرء وزوجه، وبين الأم وأبنائها، ونعدكم بأن نكون سندا حقيقيا لكم كما كنا دائما.
أعتذر لكم لأننا وقفنا نتفرج على سوريا وهي تدمر بالبراميل المتفجرة، ولم نقم بما يوجبه علينا أمننا القومي، ودورنا العربي، وموقعنا الحضاري، وواجبنا الإنساني.
أقول لإخوتنا في السودان، سامحونا لأننا لم نكن طوال ستين عاما مضت على مستوى المسؤولية، مذ رقص ذلك الضابط رقصته بالحربة ونحن نمثل عليكم دور الشقيقة الكبرى، ودور البلد الكبير، ولكن تصرفاتنا كانت عكس ذلك في أغلب الأحايين.
أقول لإخوتنا في الجزائر نحن آسفون، وما حدث من أجل مباراة كرة قدم تصرف سفيه من مجموعة من السفهاء بتحريض من نظام سفيه، الأمر كله سفهٌ في سفهٍ، وتأكدوا أن ما بين الجزائر ومصر أكبر وأعظم وأعمق من كل هذه السفالات، وتأكدوا أن هؤلاء الذين بدؤوا الوقيعة بين الشعبين سوف يحاسبون في لحظة قريبة بإذن الله.
أقول لإخوتنا في المغرب، نحن نحبكم، ونحترمكم، والصور المغلوطة التي يتحدث بها الجهلة ليست سوى انعكاسا لمكنونات صدورهم، وتعبيرا عن دناءة نفوسهم، وكل اعتذار ممن تجرأ على النَّيْلِ من المغرب غير مقبول، بل نحن نعتذر لكم بكل إكبار واحترام، نعتذر لكل رجل ولكل امرأة، اعتذارا ملؤه الاحترام والتقدير.
أقول لإخوتنا في قطر، اقبلوا اعتذارنا عن خطاب الكراهية الموجه ضدكم، وهو خطاب ليس له من سبب سوى أنكم كنتم وزارة إعلام ثورة يناير، لذلك من الطبيعي أن يعتبركم إعلام الثورة المضادة هدفا رئيسيا من أهدافه.
نعتذر عن كل الكذب والتدليس الذي أصاب هذا البلد الطيب، وهذا الشعب الطيب الأصيل.
أقول لإخوتنا في تونس، نعتذر عن كل إساءة وردت على أي لسان بسبب نجاحكم في إدارة المرحلة الانتقالية، وتأكدوا أن تونس وردة في عروة قميص الشعب المصري، يتباهى بها الثوار، ويعشقها المصريون كعشقهم لأشعار بيرم.
أقول لإخوتنا في ليبيا، نعتذر عن أي مؤامرة قد نكون طرفا فيها، ونعدكم بعمل مشترك مثمر، عمل مشترك من أجل شعبي ليبيا ومصر، ومن أجل ثورتي ليبيا ومصر، ونعدكم بأن نكون لكم سندا، وبأن ندعمكم في كل خير، وأن ندفع عنكم كل شر.
أقول لإخوتنا في الصومال، سامحونا لأننا غبنا عنكم، ولأننا انسحبنا من هذا البلد العربي ذي الموقع الهام، وتركناه للقوى العالمية لتعبث بأرضه، وتلوث بحره، وتستنزف خيراته.
أقول لإخوتنا في العراق، اقبلوا اعتذارنا لأننا شاركنا أو سكتنا على تدميركم، ولأننا لم نقم بدورنا الإقليمي طوال سنوات طوال، ولأننا لم نُقَدِّرْ -حتى الآن- دور المقاومة العراقية في إفشال المستعمر الأمريكي، وبالتالي في إفشال مشروع أمريكا في المنطقة كلها.
أقول لكل إخوتنا العرب في كل مكان: "لقد تعودتم على مصر الرائدة، وهذا ليس منة من مصر، بل هو من صميم أمنها القومي، ودورها الثقافي، أعني أن تكون رائدة، وأن تكون في الطليعة.
نعتذر عن كل العهود السوداء التي حولت مصر من دولة رائدة إلى دولة راقدة!
مشاكلكم هي مشاكلنا، مشاكلكم يا إخوتنا العرب انعكاس لضعف مصر، لذلك أدعوكم للدعاء بالنصر لثورة يناير لأن في ذلك مخرجا ونجاة لنا جميعا.
ونقول لكم ... بل نعدكم ... ستستعيد مصر دورها قريبا بإذن الله، وسوف تؤدي واجبها تجاه إخوتها في الوطن العربي كله.
وحتى ذلك الحين اقبلوا اعتذارنا ... اقبلوا اعتذار مواطن مصري يثق في أنه يتحدث في هذه اللحظة باسم الغالبية العظمى من المصريين المنكوبين.
أختم مقالتي بخاتمة قصيدتي التي نوهت عنها في بداية المقال:
(بَني العَمِّ ...
تَدْرُونَ لَيْسَ التَّمَرُّدُ سَهْلا ...!
و لَيْسَ عَلَيَّ اعْتِذَارٌ إذا كُنْتُ أحْرُثُ للصُّبْحِ حَقْلا ...
و أصْقُلُ سَيْفِيَ للحَقِّ صَقْلا ...
و أزْرَعُ عَزْمِيَ في الأرْضِ نَخْلا ...
و أرْضِيَ بالنُّورِ حُبْلَى ...
بَني العَمِّ ...
لَيْسَ عَلَيَّ اعْتِذَارٌ ...
فَمَا ذَنْبُ قَوْمِي إذا كَانَ شَيْخُ القَبيلَةِ نَذْلا ...؟؟؟)