تتلخص أزمة أجور العاملين والموظفين في جهاز الدولة بمصر، في كلمتين بين حد "أدنى للأجور" لم يطبق، و"حد أقصى للأجور" لن يطبق بحذافيره. هكذا يبدو المشهد بحسب بعض المراقبين.
لا يمكن الحديث عن شق الحد الأقصى للأجور قبل الحديث عن شقه الآخر، وهو الحد الأدنى لأجور العاملين بالحكومة الذي أصبح حبرا على ورق، وأصاب الكثيرين بخيبة أمل تلاشت صداها في ظل
قانون يجرم التظاهر دون إخطار مسبق.
وإصدار قانون "الحد الأدنى والأقصى للأجور" كان أحد أهم مطالب ثورة 25 كانون الثاني/ يناير 2011، وطال انتظاره عقب تأجيله لمرات ومرات، لاعتبارات اقتصادية تارة، وسياسية تارة أخرى، إلا أن إصدار الحكومة لقانون الحد الأدنى وبه بعض الاستثناءات أفرغه من مضمونه، وحوله لشعار أكثر منه قانون لامتصاص غضب الناس، وفق مراقبين.
الأدنى للأجور .. كبسولات لتهدئة المواطنين
إقرار القانون في عهد حكومة حازم الببلاوي التي جاءت في أعقاب أحداث 30 حزيران/ يونيو 2013، كان بحسب المراقبين لذر الرماد في العيون، ولامتصاص غضب الشارع
المصري الذي بدأ في سلسلة إضرابات هزت أركان حكومته، امتدت إلى جميع قطاعات الدولة.
من جهته، قال موظف في إحدى الإدارات التعليمية التابعة لإدارة أكتوبر، أحمد محمد إن "الحكومة تكذب خوفا من غضب الموظفين، ولا عزاء للطبقى الوسطى".
الأقصى للأجور .. فجوة بين موظفي الدولة
في السياق، أجمع خبراء الاقتصاد على ضرورة تطبيق الحد الأقصى للأجور دون استثناءات في أي قطاع من قطاعات الدولة، حتى يحقق الهدف المرجو منه، إلا أن دعواتهم اصطدمت بالفارق الكبير بين الأجرين الذي يصبح معه من المستحيل تطبيقه لتجاوز مرتبات الكثير الحد الأقصى بعشرات الأضعاف، وهو ما حدا بالبعض إلى أن يعتبر القانون مجرد خدعة للشعب المصري، وهو قرار سياسي قبل أن يكون اقتصاديا في المقام الأول.
مجدي البدوي عضو المجلس القومي للأجور: لا استثناءات
في السياق ذاته، وفور إقرار القانون، وإعلان حكومة إبراهيم
محلب بناء على أوامر الجنرال المصري عبدالفتاح
السيسي عزمها تطبيق الحد الأقصى - وهو اثنان وأربعون ألف جنيه شهريا، وما يمثل خمسة وثلاثين ضعفا من الحد الأدنى، ألف ومائتي جنيه، بدء من مرتب شهر يوليو- حتى ثارت موجة من الغضب والسخط بين أوساط الهيئات والوزارات الحكومية وسط ترحيب البعض بضرورة تفعيل القانون الذي سيوفر نحو 13 مليار جنيه لخزينة الدولة المتعطشة.
ومن جهته، أكد عضو المجلس القومي للأجور، مجدي البدوي في تصريح خاص لـ"عربي21"، أن الدستور الجديد أقر مشروعية تطبيق الحد الأقصى للأجور، ولم يعط أي استثناءات في عملية تطبيقه، وبالتالي لا يجب أن يكون هناك قرار بأي استثناءات لأي شخص، خاصة أنه أثناء علمية التصديق على القرار لم يتم استثناء أي شخص.
وانتقد البدوي، عدم تطبيق الحد الأدنى للأجور بالتزامن مع إقرار الحد الأقصى، موضحا أنه كان يجب تطبيقة هو الآخر على العاملين في القطاع العام والهيئات الاقتصادية، وذلك على اعتبار أن الدولة لن تستطيع تطبيق الحد الأقصى دون الحد الأدنى.
مخصصات القضاة "خط أحمر"
عقب التصديق والإعلان عن تطبيق الحد الأقصى للأجور، وجّه رئيس نادي القضاة، المستشار أحمد الزند، تحذيرا شديد اللهجة لرئيس الحكومة محلب والسيسي، بعدم التعرض لمخصصات القضاة ورواتبهم.
فيما أكد رئيس جنايات القاهرة، المستشار عبد الستار إيمان، لـ"عربي 21" أن هذا القرار لن يؤثر على القضاة في شيء، موضحا أن القضاء لم يحصلوا على أي من هذه
الرواتب الخيالية التي يعلن عنها.
القطاع المصرفي يتذمر
ذكرت عدد من التقارير الصحفية أن تطبيق هذا القانون في القطاع المصرفي، قد يتسبب في العديد من الأزمات، منها هروب الكوادر إلى القطاع الخاص، ورفض المساواة بين الكفاءات المختلفة.
وجاء رد الخبير الاقتصادي هشام إبراهيم المختص بالشؤون المصرفية: "اللي رافض تطبيق الحد الأقصى للأجور ما يشتغلش في الحكومة"، مضيفا لـ"عربي 21" أنه لا جدال بخصوص هذا القرار، "خاصة أنه تم التصديق عليه بشكل نهائي من قبل رئيس الجمهورية، ولا رجعة فيه"، مستنكرا تصريحات عدد من المسؤولين بالجهات السيادية المناهضة لهذا القرار.
تطبيق الأقصى للأجور يستلزم تطبيق الأدنى
وإن صدقت الحكومة في تطبيق الحد الأقصى للأجور، فالأولى بها توجيه تلك الوفرة إلى تغطية المخصصات اللازمة لتطبيق الأدنى للأجور لرفع العبئ عن كاهل الموظفين البسطاء كما يحلو لها أن تدعي في كل خطاب أو حديث لها، بحسب كثير من الخبراء الاقتصاديين والمراقبين السياسيين.