حينما قال العالم الجليل –رحمه الله- : (
سجني خلوة)، فلم يكن يقصد بها أبدا سجن بلادي.. أو بلادي السجن..
تلك السجون التي لم تتقدم
مصر إلا في ابتكار كل ما يزيدها وحشية وعذابا..
لم يعد السجن يقوم بمهمته الأولى كما في الإنسانيات الغابرة من تحديد وتقييد لتصرف المعاقَب به في نفسه، أو وسيلة تعزير وتأديب أقرها الشرع الإسلامي وإن لم يكن هناك سجنا واحدا في عهد الرسول –صلى الله عليه وسلم-، بل أصبح شاهدا على كل نزعات الطين في أشباه البشر المتحكمين العقوبات... ولو كان دارون حيًا لما احتاج الكثير من النظريات والإثباتات التي تدل على الإنسان أصله تنين مشوه، ولكفته زيارة واحدة لأي سجن مصري فضلا عن اكتشافه لدهاليزه تحت الأرض..
تلك السجون التي جعلت كل من يرى نفسه مهددا بها يلهج ويلح في الدعاء بــ "اللهم شهادة لا اعتقالا"..فالموت واحد، ولكن
الاعتقال في وطني ألف موت..!
السجن يبدأ حين لا تعرف ما تهمتك، ما ذنبك، فيم عقابك؟ تٌسجن في علامة استفهام كبيرة لا تنجلي عنك إلا في حفل الاستقبال على بوابات لا تعرف الرحمة..
كرامتك التي تٌقيد بين الجنائيين القتلة وأخلاقك التي تعتقل بين السكارى والمدمنين تُنسيك أنين قيدك.. تنسى سؤالك الأول وتعتنق السؤال الأهم.. متى أُحرر من هنا؟
تموج في عذابات كثيرة بين التحقيق والمنع من الزيارة وتأجيل جلسات المحاكمة لتعود لمكان لو أنصفت هيئات الصحة العالمية لصنفته بأقذر مكان على كوكبنا المعتم..
فصائل من الحشرات لم تكن لتراها بحياتك الطبيعية، وطفيليات تشك أنها منذ عصور جيولوجية سحيقة وأماكن لقضاء الحاجة تجعلك تكره تكوينك الإنساني وحاجتك التي جبلك الله عليها.. هذا إن كنت شابا..
فما بالك بفتاة أو امرأة..!
تالله لتلوث طهرها بما يخدش حياء سمعها لهو أقسى على قلبها من كل ما وُصف.. فكيف بالتحرش الجسدي الذي يصل إلى الاغتصاب وتهتكات الأرحام؟!
لم يعد الأمر عقابا أو تعذيرا أبدا، بل أصبح إعداما وإن ظل السجين على قيد الحياة.. فقط لتغيير الإحصائيات.. فبدلا من أن يُقال قتل آلاف الآلاف.. يُحصى آلاف القتلى وآلاف المعتقلين.. وإن كان موت المعتقلين هو الأسوأ..
وإن أٌفرج عنهم بعد حين – لعمل حراك إعلامي ولتخفيف كثافة السجون لاعتقال غيرهم- ولكن تظل أرواحهم حبيسة القضبان لا تغادرها بعد ما لاقوه من صنوف الامتهان والتعذيب..
ستظل السجون المصرية – إلى أن يشاء ربي شيئا- هي الأسوأ سمعة بين سجون العالم –تنافسها في اللقب السجون السورية ثم الأردنية- لا لشيء إلا أن أصحاب السلطة ثلة من المرضى النفسيين وأصحاب العقد المزمنة التي لا يجدون تفريجا لكبتها إلا في عتمات السجون على وقع الصدى لآهات الأحرار وقهقهات المجرمين..!