أتعجب كثيرا من أن يفكر مسؤول واحد في أن تقوم دولة على التبرعات، قد نسمع عن تبرع لبناء مسجد، أو لبناء كنيسة، وربما لبناء كوبري، أو مدرسة، أو وحدة صحية، فهذا جائز.. لكن أن نسمع عن حكومة تعتمد على التبرعات للنهوض بدولة، فيها كم هائل من المشاكل والأزمات، فهذا لم نسمع به إلا في
مصر الجديدة..
هذا الكلام يذكرني بالفنان المصري أحمد آدم في فيلم "معلهش إحنا بنتبهدل" حينما ذهب ليصدر المانجو إلى العراق، فقال قولته الشهيرة تعليقا على اختفاء الجيش العراقي بين عشية وضحاها فقال: "سمعنا عن جيوش بتتهزم، وجيوش بتستسلم، لكن عمرنا ما سمعنا عن جيش تصحا الصبح مش تلاقيه"..
فعلا سمعنا عن تبرعات وجهود ذاتية لبناء مسجد أو كنيسة أو للفقراء أو لمشروع إطار رمضان، لكن
ما لم نسمعه هو التبرع لبناء مصر..
وما بين التبرعات الداخلية التي تتجه لها الحكومة المصرية، ومؤتمر الدول المانحة لمصر الذي دعت له السعودية يا قلبي لا تحزن، فكلها تبرعات وتسول واستجداء وفي النهاية فإن كل ذلك لن ينقذ مصر من أزمتها.
صحيح أن المساعدات والدعم والمنح ربما تؤدي إلى تسكين الآلام، ولكن في النهاية هي قروض ومنح سوف ترد في يوم من الأيام وبفوائد، ولكن التبرع في الغالب لا يكون لبناء دولة أوشكت على أن تعلن إفلاسها في ظل الارتفاع المتفاقم لعجز الموازنة وأزمات الطاقة والسياحة والاستثمار.
ولن نختلف كثيرا في أن تكون التبرعات إحدى أدوات الحكومة في تقليص
أزمات الاقتصاد، ولكن من هم الذين سيتبرعون لبناء مصر ؟
هؤلاء الذين يتبرعون لبناء مصر والذين لا يتجاوز عددهم حتى الآن أصابع اليد الواحدة، هم رجال أعمال عصر مبارك المخلوع، ورجال أعمال مصر في كل العصور..
هؤلاء هم الذين يحتكرون قوت الشعب المصري، ويستنزفون دعم الطاقة الذي لا يقل في الغالب عن 250 مليار جنيه سنوياً، هذه المبالغ الضخمة هي حصيلة سرقة قوت الشعب والدعم الذي من المفترض أن يذهب للفقراء..
ولذلك من الأولى وبدلاً من أن تعلن الحكومة عن
فتح باب التبرع لانتشال مصر من أزمتها، عليها أن تراجع منظومة الدعم التي يستولي من خلالها رجال أعمال مبارك على أكثر من 200 مليار جنيه، كفيلة بأن تنقذ مصر لعدة سنوات، ومهما رغبت الحكومة رجال الأعمال في التبرع فإن حصيلة تبرعاتهم لن تصل إلى نصف أو ربع هذا الرقم الضخم.